تجارة الأرصفة ملاذ الجزائريين: كورونا ورمضان ينعشان الأسواق العشوائية

15 مايو 2020
2600 موقع بيع عشوائي في الجزائر (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -


أعاد شهر رمضان الكريم بعث ظاهرة انتشار الأسواق العشوائية في العاصمة الجزائرية، التي يستغلها الشباب من أجل كسب بعض المال، وسط ارتياح المواطنين في ظل الأسعار المقبولة التي تباع بها الخضر والفواكه مقارنة بتلك المعروضة عبر الأسواق المرخصة والمحلات.


وتأتي الظاهرة في وقت تشهد فيه البلاد حجراً صحياً أغلق العديد من الأنشطة التجارية، ما جعل التجارة العشوائية ملاذ الجزائريين لملء "قفة رمضان".

من حي إلى حي ومن بلدية لأخرى، تنقلت "العربي الجديد" من "باب الزوار" شرق العاصمة إلى "أولاد فايت" غرباً ثم "بئر خادم" جنوباً وغيرها من البلديات، إذ رصدت أعداداً كبيرة من التجار العشوائيين أو "الفوضويين" كما يلقبهم الجزائريون.

حوّل هؤلاء التجار الشوارع إلى أسواق في الهواء الطلق واستحوذوا على كل الأرصفة بشكل قسّم الجزائريين بين مؤيد لهذه الأسواق بالنظر للأسعار الرخيصة، وبين معارض بالنظر لما تخلفه من أضرار على المشهد العام، وسط مخاوف من مساعدتها على تفشي وباء كورونا.

من جانبهم يقول التجار بهذه الأسواق العشوائية ممن التقتهم "العربي الجديد" إن البطالة وظروف المعيشة دفعتهم إلى المخاطرة بصحتهم أولاً، وبأموالهم ثانياً، لشراء سلع من خضر وفواكه ومواد غذائية، وعرضها في نقاط بيع عشوائية، مضيفين أنهم لا يثقلون كاهل المواطنين باحتساب نسب أرباح كبيرة.

يقول الشاب حميدة صاحب طاولة لبيع الفواكه في حي "الحراش" الشعبي في العاصمة الجزائرية أنه "وضع عدة طلبات عمل في وكالات التشغيل ولم يتلقَّ أي رد وحاول عدة مرات مع البلدية من أجل الاستحواذ على محلٍ في الأسواق التجارية إلا أن المحسوبية وقفت بينه وبين ذلك".


وأضاف حميدة لـ "العربي الجديد" أن "شهر رمضان هو فرصة له من أجل كسب بعض المال، حيث اقترض بعض المال من أجل شراء الفواكه وعرضها في حيّه في سوق فوضوية موسمية تقام كل شهر رمضان، ونحاول حماية أنفسنا قدر المستطاع من الإصابة بالفيروس".

من جانبه قال بائع آخر يُدعى عبد الله إنه "تعود كل سنة خلال شهر رمضان على نصب "طاولته" أسفل العمارة التي يسكن فيها يبيع فيها الخضر والفواكه وأحياناً الأواني المنزلية حسب رأس المال الذي يحوز عليه. وهو نفس الشيء الذي يقوم به أغلبية شباب الحي من العاطلين عن العمل" لافتاً في حديث لـ "العربي الجديد" أنه يجني أرباحاً قليلة أحياناً لا تتعدى الدنانير الخمسة في الكيلوغرام الواحد".

واللافت أن هذه الأسواق الفوضوية كما تسمى في الجزائر تشهد تهافتاً كبيراً من طرف المواطنين، رغم بلوغ حالات الإصابة بالفيروس التاجي آلاف الإصابات ومئات الوفيات.

ولم يقتصر الأمر على الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط بل حتى إن ميسوري الحال يفضلون شراء ما يحتاجون إليه من هذه الأسواق، وهو الملاحظ من نوعية السيارات والمركبات المركونة أمام هذه الأسواق.

إلى ذلك، يكشف كمال أحد المواطنين لـ"العربي الجديد" أنه "يفضل شراء ما يحتاج إليه من هذه الأسواق بالنظر لقربها من مسكنه من جهة ومن أجل الأسعار المقبولة التي تعرض مقارنة بالأسعار في الأسواق التجارية المرخصة، حيث يكون للتجار مصاريف يدفعونها ويضطرون إلى تعويضها برفع الأسعار، لكن هذا لا يمنعنا من أخذ الحيطة وترك مسافات ولبس الكمامات".

من جانبها قالت السيدة أمال (موظفة) إنها تشتري ما تحتاج إليه يومياً من الأسواق العشوائية المنتشرة عبر الأحياء بالنظر لسهولة وسرعة الوصول إليها بالإضافة إلى الأسعار المنخفضة حيث توفر قرابة 200 دينار في كل مرة تشتري منها من الأسواق الفوضوية مقارنة بالأسواق النظامية".

وكانت الحكومة قد رخصت لـ 23 نشاطاً تجارياً، جلها متعلقة ببيع المواد واسعة الاستهلاك، الغذائية والصيدلانية والبناء والنِجارة، بالإضافة لخدمات الحلاقة والخياطة، إلا أنها سرعان ما تراجعت خطوة إلى الوراء، وأعادت حظر 8 أنشطة تجارية، بسبب التجاوزات التي تسبب فيها التجار والزبائن من خلال عدم الالتزام بإجراءات الوقاية من "فيروس كورونا".

وبات الإقبال الكبير على هذه الأسواق العشوائية، يزعج التجار الذين يرون فيها تجاوزاً صارخاً على حقوقهم وتقصيراً من الجهات الرسمية التي يدفعون إليها مصاريف الإيجار والضرائب، والتي فضلت حرمانهم من العمل وترك التجار المتجولين يبيعون دون رخص.

وقال رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، لـ"العربي الجديد" إن "عدد نقاط البيع العشوائية ارتفع من 2000 نقطة بيع فوضوية السنة الماضية على مستوى التراب الوطني إلى قرابة 2600 نقطة هذه السنة، ويتزايد نشاطها خلال شهر رمضان".

كما أضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "غلق بعض المساحات التجارية بسبب تفشي الوباء جعل بعض التجار يخرجون إلى الشارع لكسب قوت يومهم".

ولفت رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين إلى أن "التجارة الموازية أضحت تشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الوطني وتسبب خسارة للخزينة العمومية تفوق 250 مليون دولار سنوياً، كما أن السوق الموازية أصبحت وسيلة لتسويق نحو 80 بالمائة من المواد المقلدة والمنتهية الصلاحية والسلع المهربة سواء في رمضان أو غيره من الشهور وأصبحت عقبة أمام مشاريع الاستثمار بانتشار المنافسة غير الشرعية التي تنفر المستثمرين المحليين والأجانب".

وكانت الحكومة قد أعلنت في العديد من المرات عزمها القضاء على الأسواق العشوائية، إلا أنها عجزت عن فعل ذلك بالرغم من صدور عدة قوانين ومراسيم وزارية تلزم رؤساء البلديات بالقضاء التلقائي على أي نقطة عشوائية لعرض السلع، ما جعلها في مواجهة انتقادات جمعيات التجار وحماية المستهلكين.

وفي خضم هذا الصراع بين تجار الأسواق العشوائية وبين الجهات الرسمية التي تسعى إلى القضاء عليها ولو باحتشام، دخلت المنظمات والجمعيات الممثلة للمستهلك المعادلة، بعدما دقت ناقوس الخطر من تبعات الظروف التي تعرض فيها السلع للبيع والتي تراها خطراً على صحة الجزائريين في ظل تفشي كورونا.

ويبين رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، هذه المخاطر قائلاً لـ "العربي الجديد": "إذا كنا نغض الطرف عن طريقة عرض السلع من خضر وفواكه وحتى الجبن والمشروبات المائية والغازية والعصائر، فلا يمكننا أن نسكت عن انتهاك قواعد التباعد الاجتماعي في الأسواق العشوائية، فلا احترام لمسافة الأمان ولا تعقيم للأيادي ولا لبس للكمامات من طرف التجار".

وكشف زبدي لـ "العربي الجديد" أن "بعض بارونات الاستيراد والتخزين في الجزائر يمولون الأسواق الفوضوية بالسلع بعد تجميد أنشطة التجار، لتفادي تلفها ومع اقتراب عيد الفطر سنشاهد دخول الملابس للأسواق العشوائية مكان السلع الغذائية".

المساهمون