لا تستبعد الحكومة المغربية وضع مشروع قانون مالية تعديلي يعيد النظر في مجمل فرضيات وتوقعات موازنة العام الحالي، في سياق متسم بتوقع تراجع الإيرادات الجبائية والتوجه نحو تغيير بنية الإنفاق بسبب أزمة فيروس كورونا.
ويؤكد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أن الحكومة تعمل على تتبع الوضعية الاقتصادية الوطنية والدولية، وبلورة تدابير للتعاطي معها عندما تتضح الرؤية، غير أنه لا يستبعد اللجوء إلى بلورة مشروع قانون مالية يعدل موازنة العام الحالي.
ويعتبر الاقتصادي المغربي، محمد بوستى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مشروع قانون مالية تعديلي يفرض نفسه، كون جميع الفرضيات التي بنيت عليها التوقعات في بداية العام والمرتبطة بالنمو وعجز الموازنة والتضخم ومحصول الحبوب لم تعد ذات معنى اليوم.
ويرى أن تداعيات كورونا على الاقتصاد ستكون سلبية على الإيرادات الجبائية للموازنة، كما أن بنية النفقات ستتغير، حيث فرضت نفقات جديدة لها علاقة بالجوانب الاجتماعية ودعم القطاعات الإنتاجية.
غير أن بوستى يتصور أنه إذا ما ارتأت الحكومة تعديل قانون مالية الحالي، فإن ذلك لن يتم إلا بعد إحاطة الوضعية الاقتصادية الناجمة عن تداعيات كورونا والوقوف على حالة الأنشطة الإنتاجية والخدماتية بعد رفع الحجر المنزلي.
ويفترض أن يبدأ المغرب في تكوين صورة أولية حول تأثيرات انتشار فيروس كورونا على القطاعات الإنتاجية، وإيرادات الموازنة، خاصة في ما يتصل بالضرائب، التي يفترض أن تنخفض مقارنة بتوقعات بداية العام.
وعصف الجفاف بفرضية محصول الحبوب التي بنيت عليها توقعات قانون مالية العام الحالي، حيث كانت الحكومة راهنت على محصول متوسط في حدود 70 مليون طن، غير أن وزارة الزراعة والصيد البحري توقعت أخيراً ألا يتجاوز ذلك المحصول 30 مليون قنطار.
وسيفضي تطور سعر الطاقة إلى إعادة النظر في السعر الذي بني عليه قانون مالية العام الحالي، فقد كان وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، يرى أن يظل متوسط سعر خام البرنت معدلاً نسبياً في حوالي 67 دولاراً للبرميل في العام المقبل، بينما يتوقع أن يصل متوسط غاز الطهو إلى 370 دولاراً للطن الواحد.
غير أن التطورات الأخيرة تشير، كما يوضح ذلك المركز المغربي للظرفية، إلى أنه سيستقر متوسط سعر برميل النفط في حدود 50 دولاراً في العام الحالي، بعد تراجع في الفترة الأخيرة إلى مستوى وصل إلى حوالي 30 دولاراً.
لم يقتصر الأمر على الحبوب والبترول، حيث تجلى أن الفرضية القائمة على الطلب الخارجي الموجه للمملكة، ستتغير، على اعتبار أن ذلك الطلب سيتأثر بالكساد الذي سيصيب اقتصاديات شركاء المملكة، خاصة الاتحاد الأوروبي.
وبعدما كانت توقعات مؤسسات محلية ودولية متفائلة تراهن على ما بين 3.5 و4.6 في المائة كنمو للاقتصاد، عادت تحت تأثير تداعيات كورونا على النشاط إلى مراجعة بياناتها، إذ تترقب ركوداً اقتصادياً.
ويشير وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة إلى أن الصناعات الاستراتيجية والغذائية وقطاع المواصلات والخدمات، التي تمثل نسبة 41 في المائة من الناتج الإجمالي غير الزراعي لم تتوقف، وهي نسبة ترتفع إلى 53 في المائة عند الأخذ بعين الاعتبار الإدارات العمومية.
وتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بـ3.7 في المائة في العام الحالي، بعد نمو في حدود 2.2 في المائة في العام الماضي، مترقباً أن يمر الاقتصاد بمرحلة ركود في العام الحالي، على الرغم من الجهود التي بذلت من أجل التخفيف من آثار فيروس كورونا.
وترقب صندوق النقد الدولي أن ينفلت عجز الموازنة كي يصل إلى 7.1 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في العام الحالي، بعدما استقر في حدود 4.1 في المائة في العام الماضي.
ويتجلّى من تقديرات الصندوق أن الإيرادات ستمثل 27.3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، من 25.6 في المائة، بينما ستقفز النفقات من 30 في المائة إلى 34.7 في المائة.
وكان المغرب قد اتخذ قراراً بتأجيل الترقيات وعمليات التوظيف في الوزارات والإدارات الحكومية، من أجل تسخير موارد الموازنة العامة للدولة لمواجهة تداعيات كورونا، حيث تستثنى من ذلك التوظيفات في الأمن والصحة.