صحافيو غزة إلى الخارج بحثاً عن عمل

10 يناير 2019
صحافيو غزة على خط التماس (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تُؤمن الصحافية الفلسطينية إسراء المدلل بأن المجال الإعلامي تضرر وسط زحامٍ من البطالة والفقر والأزمة الاقتصادية، وتفاقم وضعه مع الحصار الإسرائيلي المشدد، لتجد ملاذها في السفر إلى الخارج بحثاً عن فرصة عمل أفضل من واقع يكاد يكون بائساً.
وتضرب الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة في غزة كل القطاعات، حتى إنها وصلت إلى الإعلام، الخاص والحزبي. ويعاني إعلاميو غزة من أوضاع صعبة، تأخذ جوانب عدة، منها ما يتعلق بالعوامل الاقتصادية المتردية وندرة فرص العمل، فضلاً عن الأوضاع السياسية التي تحكمها حالة الانقسام الفلسطيني، والذي برأي المدلل يدفع الصحافي لخسارة موقفه وصوته وعمله.
من هذا المنطلق وجدت المدلل فكرة الخروج من غزة لامتهان الإعلام خارجها خياراً أفضل. فالسنوات الـ10 من عملها في الإعلام ومناصب أخرى داخل غزة لم تشجعها على البقاء. تريد خوض عمرٍ ومرحلة معرفية جديدة ولا ترغب في فقدان فرصة تجربة شيء آخر عدا الحروب الإسرائيلية والضغوطات التي تُشكل واقع الصحافة في القطاع، وفق قولها لـ"العربي الجديد".
المدلل التي وصلت إلى تركيا منذ نحو عام، حصلت أخيراً على فرصة عمل في قناة تلفزيونية تركية ناطقة باللغة العربية، تقول إن "انطلاق الصحافي من الشأن المحلي إلى الدولي، يجعله يشعر وكأنه مركز هذا الكون. حين لا نسافر، نفقد فرصنا في العمل في مؤسسات دولية تقدم لنا مدارس منوعة وجديدة في الإعلام، السفر للفلسطيني أصبح حاجة".
ترى المدلل أن غزة التي تعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة وحالة الانقسام، جعلت الصحافي يعيش واقعاً مريراً بين الحقيقة التي تراها عينه وبين ما يجب أن يخرج على الشاشة، ويعاني اضطراباً في الاستقرار ويعيش وسط أزمات لا تنتهي بسبب الحروب الإسرائيلية الثلاث والانقسام والحصار الإسرائيلي.
معطيات كثيرة تعتقد المدلل أنها تُفقد الصحافي اللون الحقيقي للحياة في غزة، وتُفقده متعة الحوار مثلاً، ولذلك هي خرجت منها لفرصة وحالٍ ربما يكون أفضل.

المدلل ليست وحدها التي تمتهن الإعلام وخرجت من غزة. فالمصور الفلسطيني شادي العصار (35 عاماً) وهو أب لطفلين، عمل في الإعلام لـ10 سنوات، وسافر خلال شهر مايو/ أيار الماضي إلى تركيا، نظراً لاعتقاده بأن غزة تفتقر إلى الفرص الحقيقية والوضع يزداد سوءاً فيها. سفره وتنظيم معارض صور في إيطاليا عام 2012 كوّنا لديه مشهداً عن وضع العمل والفرص خارج غزة.
رغم أن العصار يؤمن أن غزة "أرض خصبة للعمل في مجال الإعلام، وفيها يواجه الصحافي الكثير من التحديات والمخاطر على صعيد التغطية، إلا أن ظروف العمل فيها غير مشجعة". خطوة السفر إلى تركيا بحثاً عن فرصة كانت موفقة في نظره، إذ أسس شركة إنتاج إعلامي وبات يعمل في مجال التصوير والإنتاج هناك.
أهداف العصار الشخصية التي يسعى لتحقيقها يراها في غزة صعبة المنال، لكنها في الخارج قد تكون ممكنة أكثر، لكنه يشير أيضاً إلى أن الحصول على فرصة عمل خارج القطاع ليست بتلك السهولة، فالكثير من الشبان الفلسطينيين، إعلاميين وغير إعلاميين، ظروفهم صعبة، لذلك فكرة السفر مشجعة للصحافي الغزّي لكنها تحتاج إلى تخطيط قبل كل شيء، كما يقول لـ"العربي الجديد".

وأوضحت بيانات "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" في آخر إحصاءاتها أن معدلات البطالة بين الأفراد من سن 20 إلى 29 سنة والحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط أو البكالوريوس عام 2017، ارتفعت إلى 56%، بواقع 41% في الضفة الغربية و73% في قطاع غزة. وذكرت أن نسبة البطالة في صفوف خريجي الصحافة والإعلام في فلسطين، وصلت إلى 45%، كما يحتاج الخريج منهم إلى 18 شهراً في المتوسط للحصول على وظيفة في مجاله، لكن هذا الوقت لا ينطبق على الخريجين في غزة، وفق معاينة "العربي الجديد".

ويرى الصحافي محمد داوود أن الإعلاميين في قطاع غزة معزولون فعلياً عن العالم، ويرون الكثير من المشاهد في مخيلتهم من دون رؤيتها واقعاً، لذلك سافر إلى الخارج، في محاولة لمعايشة تجربة جديدة لينمي مهاراته وقدراته في المجال، بعدما عمل في مؤسستين صحافيتين إحداهما مرئية والأخرى مسموعة داخل غزة.
منذ فترة والمؤسسات الإعلامية تعاني في غزة من أزمات مالية متلاحقة جعلتها تستغني عن عدد من كوادرها، وهذا يصاحب الأزمة المالية التي يعيشها قطاع غزة وتقليص الدعم على مؤسسات كبيرة في القطاع، وفق ما يقوله داوود لـ"العربي الجديد".

علاوة على ذلك، تواجه وسائل الإعلام الفلسطينية خاصةً مشكلة تتعلق في تبعيتها لأحزاب سياسية تجعلها لساناً ناطقاً عن الفصيل، في وقت تعيش فيه مهنة الصحافة والإعلام في غزة واقعاً متوتراً كونها تعيش وسط استمرار الاعتداءات الإسرائيلية عليها، والتي أيضاً تصنع صحافياً قوياً قادراً على مواجهة كل التحديات، من وجهة نظره.
لكن حال داوود يختلف عن سابقيه، فهو ما زال يبحث عن فرصة عمل في مجاله في الخارج، بينما يركز أيضاً على استكمال دراسته، ويقول إن أعداد الإعلاميين الذين يسافرون إلى الخارج تضعف من الحصول على فرصة، أما الجانب الإيجابي، فهو أن تركيا التي وجدها ملاذاً، تعتبر منطقة مفتوحة لوسائل الإعلام.

ويشكو خريجو الصحافة في غزة من بطالة تجتاح سوق عملهم على وجه الخصوص، ففرص العمل لهم نادرة وربما معدومة، وحتى إن وجدت الشواغر في المجال، فهي قد تبقى ضمن نطاقٍ ضيق، وبعضها لا يُعلن عنها وهي التي تتحكم فيها اعتبارات أبعد من الحالة المهنية، ما يزيد من حالة استيائهم من واقع المهنة في القطاع.
وتعيش غزة "حالة إشباع في سوق العمل في مجال الصحافة في غزة، رغم أن الأخيرة تعد منطقة صراع وتستقطب عمل الشركات الإعلامية إلا أن الوضع غير ذلك"، وفق تصريحات نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، لـ"العربي الجديد".
المساهمون