هل يتحول تويتر إلى مساحة خالية من الصوابية السياسيّة؟

16 يونيو 2022
سخر جوردن بيترسن من يومي نو بسبب شكل جسمها (ديميتريوس كامبوريس / Getty)
+ الخط -

لا يخفى على أحد، أن شراء إيلون ماسك لـ تويتر، أشعل جدلاً عالمياً بسبب ما وعد به الرجل، وبسبب تغريداته الساخرة، إذ يرى أن قواعد الاستخدام التي يفرضها موقع التواصل الشهير، تقيّد حرية التعبير. ووصلت حملات المقاطعة الناتجة عن "جرح المشاعر" حداً لا يمكن السكوت عنه، إذ وعد ماسك بإعادة ترامب إلى تويتر، وبأمور أخرى نالت منها موجات الصوابية السياسية، التي صادرت حق كثيرين بالتعبير، وجعلت من تعريف خطاب الكراهية أشد غموضاً.
في ذات السياق السابق، غرّد أحد أشد منتقدي الصوابية السياسية، أستاذ علم النفس الكندي جوردن بيترسن، ساخراً من عارضة الأزياء، يومي نو، قائلاً: "آسف، ليست جميلة، ولا يوجد قدر كاف من التسامح السلطويّ لتغيير ذلك"، في إشارة إلى أن عارضة الأزياء التي تصدرت صورتها مجلة Sports Illustrated في العدد الخاص بملابس السباحة، لا تخضع لمعايير الجمال الذكورية التقليديّة.
وهنا، نجد أنفسنا في معضلة: ما هي الصفة التي يمكن أن نستخدمها لوصف جسدها من دون أن نشير إلى وزنها؟ لا نعلم. لكن مجلة "غلامور" تشير إلى استخدام لفظ Plus-size. بعض المواقع العربيّة، المهتمة بالجندر، تستخدم لفظ "الوزن الزائد". لكن، لنختم حكاية التغريدة، لا بد أن نذكر اتهام بيترسون من قبل آلاف المغردين بأنه "يعيّر" العارضة ويهينها بجسدها.
لم يُغلق حساب بيترسون، ولم يغادر هو المنصة، بالرغم من أنه صرح بذلك بعد التغريدة، وعلى الرغم من أن عارضة الأزياء نشرت فيديو على "تيك توك" تقول فيها إنها انتصرت، وهو خسر، ظناً منها أن بيترسن غادر تويتر، إلا أنه ما زال موجوداً. واللافت أن الخبر الذي يشير إلى "انتصارها"، استخدم الحجة التالية: "65 ألف مشاهدة، أكثر من 100 ألف أعجاب"، في إشارة إلى فيديو "تيك توك"، لكن هذا لا علاقة له بالتغريدة ولا برأي بيترسن.
بطبيعة الحال، لا نحاول الانتصار لطرف على حساب آخر. لكن ما نحاول قوله، إن وسائل التواصل الاجتماعي، ليست مساحات لاختبار حرية الرأي بشكلها الراديكالي، بل فشلت فشلاً ذريعاً في ادعائها. لا نتحدث هنا عن خطاب الكراهية أو التحريض على العنف، بل التحشيد العاطفي ضد الآراء، تلك التي لا يجوز مصادرتها، وحرمانها من المنصات التي تدّعي حرية التعبير، حتى لو كانت هذه الآراء شديدة السوء؛ فمفهوم الفضاء الآمن للتعبير، القائم على نفي من لا يتفق معنا بالرأي أو حتى "الذوق"، كما في حالة بيترسون، لا يعني أنه لا يستحق أن يُسمع. وربما هذا بالضبط ما يحاول ماسك أن ينتصر له، الآراء، حمقاء أو صائبة، صحيحة أو مخطئة سياسياً، لا تعني أن علينا تكميم أفواه أصحابها في حال لم تعجب فئة ما.
اللافت أيضاً، وهنا يمكن توجيه التساؤلات إلى كلّ من بيترسن ونو على حد سواء، أن الموضوع يرتبط بـ"الجمال"، الشأن الذاتي، والذي نعلم بدقة تاريخ تصنيعه والمؤسسات التي تعمل على رسم معاييره.

لكن لنفترض، ولو على سبيل الاستثناء، ألا يحق لأحدهم "ألا يعجبه شكل ما"، أو ألا يميل إلى المعيار الجديد، أو أن لا يجده جذاباً، من دون أن يتهم بالتحيز. والأهم، هل يمكن لهذا الشخص، ضمن المثال الاستثنائيّ، التعبير عن رأيه في هذا الخصوص؟ في ذات الوقت: هل الرد على الرأي المسيء أو الرأي الشخصي، أو الذي لا يتوافق مع المعايير الجديدة، يُقيّم بعدد المتابعين والمُحبين؟
لا يوجد حوار في هذه الحالات، تكتلات وإقصاءات حد الاختفاء في بعض الأحيان. وهنا نعود لتويتر، إن كانت فعلاً هذه المنصة تسعى، ومالكها الجديد، إلى تحقيق حرية التعبير عن الرأي بصورة راديكاليّة، لا بد من إعادة النظر في كل أساليب تقييم الأشخاص الحاليّة، ناهيك عن الانتصار للكلمات؛ منع أو حذف أو التخويف من استخدام كلمات محددة شأن لا يسكت عنه، وإلا ستتحول كل منصات التواصل إلى مساحات زجاجية، شديدة الهشاشة، كلمة واحدة فقط، يمكن أن تدمر "فئة" أو "جماعة"، حتى لو كانت هذه الجماعة تتصدر أغلفة المجلات.

المساهمون