استمع إلى الملخص
- الانتقال إلى لبنان والنجاح المستمر: بعد نكسة 1967، انتقلت إلى بيروت، حيث قدمت برامج ناجحة مثل "نجوم على الأرض". تميزت برامجها بالعمق والجرأة، مستضيفة شخصيات بارزة، مما أكسبها شعبية واسعة.
- التحديات والعودة إلى مصر: واجهت تحديات في لبنان، منها منع برنامجها "حديث الساعة". بعد وفاة زوجها، عادت إلى القاهرة، حيث قدمت برنامج "قمم"، متميزة بكاريزما وذكاء حاد.
ليلى رستم اسم اقترن بالتلفزيون، انطلق واشتهر في مصر وتألّق في لبنان وانتشر في العالم العربي اسماً لنجمة تقديم البرامج من الطراز الأول.
مثل قصص نجاح المشاهير، كانت هناك في مسيرتها المهنية عناصر غير مرئية وراء ذلك النجاح المرئي، أولها يرجع إلى تكوينها الدراسي، وثانيها إلى الحضور الإيجابي لشخصيتها على الشاشة، وباللغة التقنية: إلى الكاريزما التي تمتعت بها.
ولدت ليلى ابنة المهندس عبد الحميد رستم في القاهرة، ونشأت في الإسكندرية، ثم في المنصورة، لتنتقل العائلة مع الوالد بحكم عمله. تعلّمت في مدرسة الراهبات، فأتقنت اللغة الفرنسية، ومن ثم التحقت بكلية الصحافة في الجامعة الأميركية في القاهرة. بين زملائها في الدراسة من أصاب شهرة: سعدون الجاسم الذي أصبح وكيل وزارة الإعلام في الكويت لسنوات عديدة، والصحافي سليم نصار والباحثة سلمى مرشاق سليم.
وبعد تخرّجها أكملت الدراسة العليا في جامعة نورث وسترن في الولايات المتحدة الأميركية، ونالت درجة ماجستير في الصحافة. وعادت إلى القاهرة متسلّحة بإدراك مفاتيح النجاح في مهنة الصحافة، وفي جعبتها ثلاث لغات.
قبل التلفزيون عملت ليلى رستم في إذاعة القاهرة مذيعة في البرنامج الأوروبي، ولفتت الأنظار لتميّزها بجرأة الواثقة من نفسها، الأمر الذي رشّحها بعد ستة أشهر للانتقال من وراء الميكروفون إلى شاشة التلفزيون، وذلك قبل بدء البث الرسمي في يوليو/ تموز 1960.
وفي أوّل ظهورها على الشاشة الصغيرة كانت تقدّم عرض البرامج بصفة مذيعة ربط، ثم انضمت إلى البرنامج الفرنسي قارئة لنشرة الأخبار. آنذاك كان التلفزيون المصري يضم كوكبة من المذيعات الجميلات والمثقفات في الآن نفسه، بينهن الراحلتان في أوج الشباب، في مطلع العقد الرابع من العمر: أماني ناشد وسلوى حجازي، وليلى رستم التي رحلت عن دنيانا، عن عمر ناهز 87 عاماً.
بعد سنوات قليلة أطلت ليلى رستم في القناة العربية في التلفزيون المصري مقدّمة برامج تابعها الجمهور باهتمام مثل "نافذة على العالم" وهو يغطّي أهمّ أحداث الأسبوع، ثم "الغرفة المضيئة" ويتناول أهمّ حدث محلي.
إضافةً إلى برنامج "نجمك المفضّل" الذي استمر عرضه مرة في الأسبوع لمدة ثلاث سنوات وحظي بمتابعة شعبية كبيرة.
تضافرت عدة عوامل أمّنت النجاح لهذا البرنامج، منها حيوية مقدمة البرنامج المشاكسة لكن في إطار مستَحَب، تثير الضيف فيروي ما عنده، وأحياناً ما لم يكن يرغب في قوله. ومنها أن الضيوف كانوا من مشاهير الفنانين والأدباء، من "النجوم المفضَّلين" الذين يتمتعون بالشعبية والناس شغوفة بمعرفة أخبارهم، ومنها أن المعدّ مفيد فوزي، الصحافي الشهير، كان ملمّاً بحكايات النجوم وبالأسرار أيضاً.
كل نجوم مصر تقريباً، حلّوا ضيوفاً، كبار نجوم الغناء ومعظم نجوم السينما المصرية. لكن لفت نظري أنها لم تستضف عمّها الممثل الشهير زكي رستم برغم العلاقات العائلية الطيبة، وكان في جعبته العديد من الحكايات عن بدايات المسرح والسينما في مصر.
وتبقى المقابلة التي أجرتها مع طه حسين، من كلاسيكيات برامج التلفزيون المصري. في تلك المقابلة حشدت ليلى رستم عشرة من أدباء مصر المعروفين شاركوا في طرح الأسئلة على عميد الأدب العربي.
ظلت المذيعة نجمة التلفزيون المصري حتى 1967. بعد النكسة اشتدت القيود الاقتصادية على القطاع الخاص، فآثر زوجها رجل الأعمال المصري حاتم الكرداني أن ينقل أعماله إلى بيروت، وجاءت معه ليلى رستم وابنتهما إيمان، وقررت أن تكون إقامتها راحة واستجماماً، ولها في ربوع لبنان ذكريات منذ أيام طفولتها حين كانت تمضي أيام العطلة في ضيافة عمها الآخر سفير مصر في لبنان في عهد الرئيس بشارة الخوري، وجيه رستم، الذي بقي سفيراً حتى سقوط الملكية في مصر.
لاحقاً، انفصلت ليلى رستم عن زوجها بالطلاق، وبقيت مقيمة في بيروت. آنذاك أغرتها إدارة التلفزيون في لبنان بالعودة إلى الشاشة. ظهرت أولًا في تلفزيون لبنان والمشرق وقدّمت برنامج "نجوم على الأرض"، وفيه استضافت نجوم الفن اللبناني والنجوم المصريين والعرب الذين أقاموا في بيروت آنذاك.
كان البرنامج من إعداد جورج إبراهيم الخوري رئيس تحرير مجلة "الشبكة"، العارف تماماً بأخبار النجوم. وفي محطة التلفزيون ذاتها قدّمت أيضاً "بين الحقيقة والخيال" و"محاكمات أدبية" وكلاهما من إعداد إبراهيم الصادق.
كنت ألتقيها أحياناً في التلفزيون ونتبادل التعليقات البسيطة و"آخر نكتة" إذ كنت أعرف ليلى رستم منذ إقامتي في القاهرة خلال الدراسة في المعهد العالي للسينما. وذات مرة، أواخر صيف عام 1969، اقترحت أن نشرب قهوة في كافتيريا فندق الكارلتون وكانت تسكن على مقربة منه.
في تلك الجلسة أخبرتني أنها اتفقت مع شركة التلفزيون اللبنانية على تقديم برنامج جديد يتناول التاريخ اللبناني الحديث. أضافت: "وإنت مؤلف وكاتب سيناريو وإعلامي. شدّ حيلك وحكّ دماغك وهات فكرة تتلاءم مع الموضوع".
بعد أسبوع طرحت عليها فكرة برنامج "سهرة مع الماضي" فرحّبت بها على الفور، وقالت: "سأعرضها على إدارة التلفزيون وسيتّصلون بك". تابعت: "لازم نعمل برنامج جديد. يكون تلفزيوني 100%. برامج المقابلات الحالية هي برامج إذاعية مصوّرة بالكاميرا. يمكن أن تسمعها وتفهمها وليس شرطاً أن تراها. امضِ في هذا الطريق واجعل لكل حلقة سيناريو".
وبالفعل جرى إنتاج "سهرة مع الماضي" ربيع عام 1970 وعُرض منه 52 حلقة خلال عامين. في كل حلقة ضيف رئيسي تُعرَض سيرةُ حياته مع ما يرافقها من أحداث في التاريخ الحديث، من خلال مقابلة حوارية مع الضيف، مطعّمة بصور فوتوغرافية أرشيفية وما توافر من أشرطة سينمائية وثائقية، وتصوير حيّ في الأماكن ذات الصلة بحياة الضيف. إضافةً إلى مداخلات قصيرة من شخصيات ذات صلة مثل رفاق الدراسة، أو خصوم السياسة، أو أصحاب ذكريات مشتركة.
كان مشاهير السياسيين ضيوفَ البرنامج الأساسيين، وهؤلاء كانوا نجوم المجتمع في بلد شعبه مُسيّس مثل لبنان. كذلك استضاف بعض رجالات الثقافة والقانون والدبلوماسية من أصحاب الذكريات الغنيّة.
كان عبد الله المشنوق ضيف الحلقة الأولى التي عرضت ماضيه السياسي وزيراً ونائباً سابقاً وتربوياً، وكذلك بوصفه صحافياً وناشراً لجريدة "بيروت المساء". ضمت الحلقة مداخلات لثلاثة من تلامذته: الأديب والناشر سهيل إدريس، والناشر بهيج عثمان، وكبير المذيعين في الإذاعة اللبنانية شفيق جدايل. تعاقب على إخراج البرنامج إلياس متى، ثم إبراهيم الخوري.
وبحكم موقعي القريب منها، بوسعي أن أقدم شهادة أحكي فيها عن موهبة ليلى رستم وسبب تألقها. كانت مطلعة بصفة متجدّدة على مجريات الأحداث في لبنان والعالم العربي، وتواظب على قراءة صحيفتي لوموند الفرنسية وهيرالد تريبيون الأميركية، إضافة إلى مختلف الصحف اللبنانية والعربية.
كنت أسلّمها سيناريو الحلقة قبل يوم من تسجيلها. نتناقش معاً في بنائها وفي الأسئلة. تستفسر عن تفصيل لا تعرف خلفياته. ثم تمضي يومها في قراءة ما يُغني معرفتها بشخصية الضيف وبالظروف المحيطة به. ثم تأتي إلى الاستوديو في اليوم التالي وقد حفظت الأسئلة وترتيب السيناريو. تؤدّي السؤال وهي تلقيه، فيبدو عفوياً ابن ساعته.
ولأنها حرفية قديرة، تراقب الكاميرات في الاستوديو. تعرف أنه إذا أُطفئت اللمبة الحمراء فوق الكاميرا المركّزة عليها يعني أنها ليست على الشاشة في تلك اللحظة، فتلقي نظرة سريعة على السيناريو لتتذكر أي صورة ستُعرض لاحقاً أو أي شريط وثائقي، لكي يأتي عرضها بتقديم لائق وسلس.
لم تكن تكتفي بطرح السؤال وانتظار أن يطبق الضيف شفتيه لتدرك أنه انتهى من الإجابة. كانت تسمع جيداً ما يقول. إذا أخطأ في معلومة تصحّحها. وإذا تفرّع في إجابته تتابعه، وتناقشه، وتبتكر رابطاً يعيده إلى سياق الحلقة.
كان هناك حرصٌ على أن تتضمّن كل حلقة خبراً أو معلومة تميط اللثام عن سرّ غير معلن سابقاً، أو عن رأي صريح لم يقله صاحبه في حينه والآن صار أوانه. كانت ليلى رستم تتهيأ تماماً لتبرز هذه المعلومة المشوّقة وتسلّط الأضواء عليها، مثل لاعب كرة قدم يتهيأ لتسجيل هدف.
ومن هذه الأخبار التي كانت مجهولة، أن السياسي كمال جنبلاط شاعر وله قصائد بالفرنسية. كنت قد سلّمتها نسخة من قصيدة بخط يده، على أن تُعرَض مفاجأةً. لكن ليلى رستم استدرجته وجعلته يلقيها.
وكان مخططاً في سيناريو الحلقة أن يجري الحديث عن اليوغا، وهو من أعتق ممارسيها. لكنها ارتجلت وأقنعته بأن يقدم نموذجاً على الهواء، فراح كمال جنبلاط يعرض للمشاهدين كيفية التنفس الصحيح بحسب أصول اليوغا. كذلك أقنعت السياسي حبيب مطران بأن يعزف على البيانو مقطوعة من موسيقى بتهوفن.
الكاريزما التي تمتعت بها نشأت من إلمامها التام بأصول مهنتها، مع شخصية جذابة لامرأة جميلة، سريعة البديهة حاضرة النكتة، جريئة في طرح المواضيع وفي الارتجال المتقن. وبعد نجاح "سهرة مع الماضي" الذي كان يُبقي المشاهدين في بيوتهم مساء كل يوم أربعاء، تقرر أن نقدم برنامجاً جديداً يتناول القضايا المعاصرة. نقلةٌ من التاريخ إلى الحاضر.
كان البرنامج بعنوان "حديث الساعة"، من إعدادي وإخراج إبراهيم الخوري، وهو يقدم أهم أحداث الأسبوع في تقارير مصوّرة، مع ضيف يتناقش مع ليلى رستم على الهواء حول هذه الأحداث.
في تلك الفترة كانت وزارة الإعلام متربّصة بليلى رستم، إذ لم تستسغ نشر بعض الأحاديث التي أدلى بها في برنامجها رشيد كرامي وريمون إدة ومعارضون آخرون لعهد الرئيس سليمان فرنجية.
وبدأت المتاعب مع الحلقة الأولى. كان المفروض أن يكون الصحافي والوزير السابق غسان تويني ضيف الحلقة. لكن قبل ساعة من تسجيلها، صدر قرار رسمي بمنعه من الظهور.
وقبل تسجيل الحلقة الثانية تمّ الاتفاق بين ليلى رستم والضيفة علياء الصلح على ألا تكون أجوبتها مستفزّة. لكن حدث أن البرنامج كان يتضمن تقريراً عن المجلس النيابي اللبناني بمناسبة انعقاده في دورة جديدة. وكان السؤال بريئاً: "هل كنت تحضرين بعض جلسات المجلس أيام كان والدك رئيساً للحكومة؟"، ليأتي الجواب الناري من علياء الصلح كلكمة في الوجه: "نعم. لكنه كان مجلساً يضم كبار أهل السياسة، وليس كمجلس اليوم الذي أصبح زريبة لأبناء العائلات المتخاصمة، وأولها آل الصلح!".
ونزل القرار الصاعق القاضي بمنع البرنامج نهائياً. عبثاً حاولت علياء أن تُصلح ما أفسده تصريحها فقالت للصحافة إن أحد معاني الزريبة هو عرين الأسد، وهذا ما كانت تقصده! لكن هذا الشرح لم يصمد أمام المنع.
بعدها لم تقدم ليلى رستم أي برنامج في التلفزيون اللبناني، لكنها ظلت مقيمة في بيروت مع زوجها الثاني ومدير التلفزيون منير طقشي وابنتها الثانية لمياء، حتى بعدما اندلعت الحرب الأهلية عام 1975. لكن بعد وفاة زوجها في عام 1980، عادت المذيعة إلى القاهرة، وقدمت على شاشة التلفزيون برنامج "قمم"، الذي استضافت فيه نجوم الأدب والفن. كذلك، عادت إلى الصحافة المكتوبة، وعملت في مكتب مجلتَي "تايم" و"لايف" الأميركيتين في القاهرة.