موزة ماوريتسيو كاتيلان والعالم الذي وراء الجدار

25 نوفمبر 2024
بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار (تيموثي إيه. كلاري/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت وزيرة المساواة الجندرية في السويد، بولينا براندينبورغ، جدلاً بسبب "فوبيا الموز"، حيث تطلب عدم وجود الموز في الاجتماعات، مما يعكس حالة إنسانية فريدة تتطلب تفهماً خاصاً.
- بيع "الموزة الملصقة على الحائط" للفنان ماوريتسيو كاتيلان بأكثر من ستة ملايين دولار أثار السخرية، حيث يعكس التناقض بين القيمة الحقيقية للمواد والقيمة المالية التي يضعها المجتمع الفني.
- تعكس هذه الأحداث نقداً للمؤسسات الفنية التي تضخم قيمة الأعمال البسيطة، مما يثير تساؤلات حول دور الفن وتأثير الرأسمالية المتأخرة على قيمه.

ضجت وسائل الإعلام بخبر مفاده بأن وزيرة المساواة الجندرية في السويد، بولينا براندينبورغ، مصابة بـ"فوبيا الموز"، التي وصفتها بأنها أشبه بـ"حساسية". كُشف أيضاً أنه في المكاتب الرسمية وفي زياراتها الرسمية، يجب ألّا يكون هناك موزة واحدة، إذ ذُكر في الإيميلات المسربة كيف طلبت من وزارة العدل النرويجيّة ألا يكون هناك موز في اجتماعهم. وفعلاً، وافقت الوزارة على طلب براندينبورغ التي سبق أن غردت عام 2020 بأنها تعاني هذه الفوبيا "الأكثر جنوناً في العالم"، لكنها لاحقاً حذفت التغريدات.
لا يمكن نقاش الموضوع إلّا كخبر عابر وحالة إنسانية، ولو أنه يحوي مفارقة تخص الموز؛ فالفوبيا، أمر لاعقلاني، تفسيره وتجاوزه أمر طبي بحت، ويختلف بين شخص وآخر، فضلاً عن أن طلب الوزيرة غياب الموز كليّاً، حتى من أمام عينيها، يعني أننا أمام رد فعل جسدي؛ إذ يجب أن يختفي أي أثر للفاكهة الصفراء كي تحافظ الوزيرة على تماسكها ومهنيتها.
في مصادفة بحتة، ترافق انتشار الخبر مع آخر آتٍ من عالم الفن، إذ بيعت "الموزة الملصقة على الحائط" أو ما سماه الفنان ماوريتسيو كاتيلان (Maurizio Cattelan) بـ"الكوميدي" بثمن يفوق ستة ملايين دولار في مزاد سوثيبي في نيويورك. العمل نرفض تسميته عملاً فنياً، بل أقرب إلى مزحة كاسمه، خصوصاً أن الموزة التي بيعت، ليست ذاتها التي سبق أن اشتهرت صورتها حين عرضها كاتيلان عام 2019 في ميامي، وباع ثلاث نسخ من العمل ذاته، بل موزة جديدة اشتراها الفنان قبل المزاد بساعات بثمن 0.35 سنت، وألصقها على الحائط.
عالم من موز. هذا ما وصلنا إليه ربما، وهذا يستدعي الخوف، بل حتى الفوبيا المشابهة لتلك التي تعانيها الوزيرة السويديّة. هناك ما هو كوميدي وشديد السخرية في حكاية الموزة ذات الستة ملايين دولار، يتمثّل في أننا أمام طبقة اجتماعية مستعدة لدفع مبلغ كهذا لأجل "التفاخر" و"التعالي"، ولو كانت تعلم علم اليقين أنها مجرد موزة عادية. والأنكى وجود مؤسسات مستعدة لتنظيم مزادات وحفلات لبيع موز هكذا. المشكلة ليست بالموزة نفسها، وليست بالفاكهة ولا بالوزيرة، ولا الفنان الإيطالي، بل بالمؤسسة والقائمين عليها. نحن أمام مهزلة لا تحوي قيمة نقدية، فالفن المبتذل لم يكن يباع بهذه الأسعار، بل كان أقرب إلى مانيفستو. مبولة دوشامب كانت حرفياً ضد مفهوم المؤسسة وسلطة الفنان واسمه. أما اليوم، فتكفي موزة وعلاقات طيبة مع عالم الفن، ليصبح المرء مليونيراً.
"الكوميديا" تكمن في فيديو للقيّم الفنيّ، فرانشيسكو بونامي، يشرح فيه عن هذا العمل، قائلاً إنه من السهل صناعته، فيلتقط موزة وشريطاً لاصقاً ويعيد إنتاج نسخة جديدة، بأدوات تشبه تلك التي نراها في فيديوهات "يوتيوب" التي تعلمنا كيف نصنع الأشياء في منزلنا بأدوات بسيطة (DIY)، مؤكداً ضرورة تغيير الموزة كلما أصابها العفن، مضيفاً أنه لامتلاك هذا العمل لا بد من امتلاك وثيقة من الفنان أو المؤسسة، لا يكفي فقط موزة ولاصق وجدار.

وربما هذه هي السخرية بالضبط. الحاجة إلى مستند، ورقة ذات صبغة "قانونيّة" تمنحها مؤسسة فنيّة تكسب الموزة قيمتها. مؤسسة ربما حاول الفنان الإيطالي السخرية منها إلى حد دفعها إلى الاعتراف بموزة على أنها عمل فني، فما كان من المؤسسة إلا أن قبلت الرهان، وباعت موزة بستة ملايين دولار!
هل نخاف من الموز؟ لا. هل نخاف من المازحين؟ أيضاً لا. الخوف لا بد أن يكون من المؤسسة الفنيّة، ورغبتها في ملء نشرات الأخبار بالصور وجيوبها بالمال ضمن عرض يشبه الهزل الجديّ، الذي لم يعد هناك من حاجة إلى إخفاء حقيقة الموزة أو التأول عليها، بل نرى الفجاجة والهزل، هكذا يقال علناً ورسمياً. هذه موزة بلاصق على الجدار، وسنبيعها، وإن كنت غاضباً فاشتم، وإن أردت "تدميرها" فلا مشكلة، هناك أطنان من الموز قادرة على استبدال تلك الملصقة على الجدار. المؤسسة والوفرة هي ما يسبب الخوف إذن، ويبعد الفن عن فرادته المتخيلة! هذا بالضبط الشكل الأسمى للرأسمالية المتأخرة.

المساهمون