مقام الحجاز... الحزن الجميل

15 اغسطس 2021
صباح فخري (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

في مقابلة قديمة له مع التلفزيون المصري، يتحدّث المطرب السوري صباح فخري عن عمله السابق مؤذناً لجامع في حلب، وعن اختياره شبه الدائم لرفع الأذان على مقام الحجاز. وهو ما لا يبدو مستغرباً نظراً إلى أن الحجاز أشهر المقامات الموسيقية حتى بين غير الأكاديميين. إذ إن استخدماته كثيرة إلى جانب الموسيقى، فهو موجود ومستخدم في الأذان وموجود في تلاوات القرآن عند المسلمين، وذلك بسبب الانطباع الذي يتركه عند المستمعين، فهو مقام حزين ولكن وقور في حزنه في نفس الوقت إن صحّ التعبير. لكن لماذا يعتبر مقام الحجاز حزيناً؟
نظرياً، السبب هو الأبعاد الصغيرة بين نغماته القليلة التي تعطي المستمع هذا الإحساس، كما أنّ سرعة الإيقاع ونوعه وطريقة توزيع نغمات المقام على الإيقاع قادرة على إضفاء طابع حزين على الموسيقى.
لكن بعكس استخداماته الأولى والتقليدية، نجح موسيقيون كثر في اللجوء إلى مقام الحجاز في أغان فرحة نسبياً. إذ إن النغمات ليست وحدها القادرة على التأثير على المتلقي، بل الآلة التي يعزف عليها اللحن، وهو ما يميز مقام الحجاز الذي يمكن عزفه على آلة شرقية أو آلة غربية، وذلك لأن نغماته محددة ما بين نغمة ونصف نغمة، ولا يوجد في نوعه الأساسي على الأقل ربع نغمة. كما أن استخدامه قد يكون في جزء صغير من مقطوعة أو أغنية.

لنأخذ على سبيل المثال أغنية "سيبوني يا ناس" لسيد درويش (أعاد غناءها صباح فخري نفسه). الأغنية لحنت على مقام النهاوند، لكن الجزء المؤثر والحزين فيها (أروح مطرح ما روح) مغنّى وملحّن على مقام الحجاز، بينما الجزء الأكثر فرحاً (ده غزالي وافق عزالي وخلاني لوحدي أنوح) على مقام النهاوند.
مثال آخر على مقام الحجاز: مقطوعة "وقمح" لزياد رحباني. المقطوعة (من ضمن ألبوم "مش كاين هيك تكون" (1999) لفيروز) كلها على مقام الحجاز، فلمدة 8 دقائق تقريباً نستمع إلى الموسيقى من دون غناء، إذ إن هذا المقام يسمح بـ"السلطنة" وسماع نغماته تتكرر من دون الشعور بالملل.
آخر مثال شهير لاستخدام هذا المقام هو أغنية "فوق إلنا خل" لناظم الغزالي. ومن الحالات القليلة التي استخدم فيها المقام من دون إعطاء طابع حزين للأغنية كانت أغنية "الحلوة دي" لسيد درويش كذلك. والسبب غالباً مرتبط بكلام الأغنية الذي يروي قصة يوم في حياة العمال في مصر، الذي يبدأ باستيقاظ الحلوة لتحضير الخبز، كي يتمكّن "الصنايعي" من أكل فطوره و"شدّ حيله" قبل أن ينزل للعمل

المساهمون