استمع إلى الملخص
- وجد الباحثون أن العزلة والوحدة تؤثران على مستويات البروتينات في الدم، مما يزيد من خطر الأمراض المزمنة، حيث حددوا 175 بروتيناً مرتبطاً بالعزلة و26 بروتيناً بالوحدة.
- استخدمت الدراسة تقنية "التوزيع العشوائي المندلي" لتحديد تأثير العزلة على البروتينات، مشيرة إلى أهمية العلاقات الاجتماعية في الحفاظ على الصحة وفهم الآليات البيولوجية.
أشار باحثون إلى أن قضاء وقت مع الأصدقاء والعائلة قد يحافظ على صحتنا لأنه يعزز جهاز المناعة، ويقلل من خطر الإصابة بأمراض مثل تلك التي تصيب القلب، والسكتة الدماغية، ومرض السكري من النوع الثاني، في حين ارتبط شعور العزلة والوحدة بمخاطر صحية كبيرة، مثل الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض القلب. في الدراسة التي نُشرت في 1 يناير/كانون الثاني في مجلة Nature Human Behaviour، توصل باحثون إلى هذا الاستنتاج بعد دراسة البروتينات من عينات الدم المأخوذة من أكثر من 42 ألف بالغ، تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً، أجريت الدراسة عليهم في بنك المملكة المتحدة الحيوي.
تأثير العزلة على بروتيناتنا
ركّز الباحثون على البروتينات في الدم، وهي جزيئات أساسية تنتجها جيناتنا وتساعد أجسامنا على العمل بصحّة. من خلال فحص هذه البروتينات، اكتشف الفريق أن الأشخاص الذين يعانون العزلة الاجتماعية أو الوحدة يميلون إلى وجود مستويات أعلى من بعض البروتينات المرتبطة بالالتهابات والعدوى والأمراض المزمنة. يقول المؤلف الرئيسي للدراسة تشون شين، الباحث في جامعة كامبريدج وجامعة فودان في الصين، إن الدراسة ميزت بين مفهومين مرتبطين لكنهما مختلفان؛ المفهوم الأول هو العزلة الاجتماعية، والثاني هو الوحدة. "العزلة الاجتماعية هي مقياس موضوعي يعتمد على عوامل مثل العيش بمفردك، وعدد مرات التفاعل مع الآخرين، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. أما الوحدة، فهي شعور شخص؛ إذ يتعلق بما إذا كان الشخص يشعر بالوحدة، بغض النظر عن علاقاته الاجتماعية الفعلية"، يوضح شين في تصريحات لـ"العربي الجديد".
حسب الباحثون درجات لكل من العزلة الاجتماعية والوحدة لكل مشارك، ثم حلّلوا عينات الدم لتحديد البروتينات المرتبطة بهذه الحالات. بعد تعديل العوامل مثل العمر والجنس والخلفية الاجتماعية والاقتصادية، وجدوا 175 بروتيناً مرتبطاً بالعزلة الاجتماعية و26 بروتيناً مرتبطاً بالوحدة. ومن المثير للاهتمام أن نحو 85 في المائة من البروتينات المرتبطة بالوحدة كانت مشتركة مع تلك المرتبطة بالعزلة الاجتماعية. تشارك بروتينات عدة مُحدّدة في الدراسة في الالتهابات والاستجابات المناعية وردود فعل الجسم تجاه الإجهاد. وقد رُبط بعض هذه البروتينات بحالات صحية خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني والسكتة الدماغية وحتى الوفاة المبكرة. يشير هذا إلى أن العزلة الاجتماعية والوحدة قد تؤثران مباشرةً على صحتنا الجسدية عن طريق تغيير مستويات هذه البروتينات في أجسامنا.
أبحاث أعمق على تأثير العزلة
لاستكشاف هذا الأمر بعمق، استخدم الباحثون تقنية إحصائية تسمى "التوزيع العشوائي المندلي" لتحديد ما إذا كانت العزلة الاجتماعية والوحدة تسببان تغيرات في مستويات البروتينات. وتمكنوا من تحديد خمسة بروتينات تأثرت مستوياتها مباشرةً بالوحدة. أحد هذه البروتينات يسمى ADM، معروف بدوره في الاستجابات للإجهاد وتنظيم الهرمونات مثل الأوكسيتوسين، الذي يطلق عليه غالباً "هرمون الحب"، لأنه يعزز الروابط ويقلل من الإجهاد. وجدت الدراسة أن المستويات المرتفعة من بروتين ADM كانت مرتبطة بتغيرات في مناطق الدماغ المسؤولة عن المعالجة العاطفية والاجتماعية. مثلاً الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من بروتين ADM كانت لديهم أحجام أصغر في منطقة الجزيرة Insula في الدماغ، وهي منطقة تساعدنا على الشعور بما يحدث داخل أجسامنا. ارتبطت المستويات المرتفعة من بروتين ADM بحجم أصغر في منطقة النواة الذيلية اليسرى Left Caudate، وهي منطقة في الدماغ تشارك في العواطف والمكافآت والتفاعلات الاجتماعية. إضافةً إلى ذلك، ارتبطت المستويات المرتفعة من ADM بزيادة خطر الوفاة المبكرة.
بروتين آخر، اسمه ASGR1، ارتبط بمستويات أعلى من الكوليسترول وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وهناك بروتينات أخرى حُدّدت في الدراسة تلعب أدواراً في تطور مقاومة الأنسولين (وهي مقدمة لمرض السكري من النوع الثاني) وتصلب الشرايين وحتى تطور السرطان. يضيف شين: "كنا نعرف منذ مدة أن العزلة الاجتماعية والوحدة مرتبطتان بصحة أسوأ، لكننا لم نفهم تماماً السبب. دراستنا تسلط الضوء على بروتينات محددة تبدو كأنها تلعب دوراً رئيسياً في هذه العلاقة، إذ تزيد مستويات بعض البروتينات مباشرةً نتيجة للوحدة، ما قد يفسر سبب تعرض الأشخاص الوحيدين لبعض المشاكل الصحية".
يوضح الباحث أن التطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي ودراسات البروتينات واسعة النطاق، تساعد الباحثين على تحديد البروتينات الرئيسية المشاركة في الصحة والمرض: "البروتينات التي حددناها تعطينا أدلة حول الآليات البيولوجية الكامنة وراء سوء الصحة لدى الأشخاص المعزولين اجتماعياً أو الوحيدين. هذا يؤكد أهمية العلاقات الاجتماعية في الحفاظ على صحة جيدة".