استمع إلى الملخص
- النقاش حول التوبة والعودة للحياة العامة بعد الاتهامات الجنسية يظل معقدًا، مع أمثلة مثل هارفي وينستين ولويس سي كيه، مما يعكس تعامل هوليوود والرأي العام مع البراءة والاتهامات.
- قضية سبيسي تثير أسئلة حول العدالة، أخلاقيات الإعلام، وتأثير حركة Me Too، مشيرة إلى تحديات استعادة الأفراد لحياتهم المهنية بعد البراءة وكيف يمكن للمجتمع تحقيق التوازن بين حماية الضحايا وضمان العدالة.
استقبل بيرس مورغان في برنامجه اليومي الممثل الحائز جائزتي أوسكار كيفن سبيسي، الذي طُرد من هوليوود، ومسح أثره بعد الاتهامات التي طاولته في عام 2017، واختفى إثرها من العلن، عدا مرّتين؛ الأولى في فيديو شديد الغرابة ظهر فيه بشخصية فرانك أندروود التي أدّاها في مسلسله الشهير "هاوس أوف كاردز" House of Cards، وآخر نراه فيه يلقي قصيدة في فضاء عامّ في إيطاليا.
كيفن سبيسي الذي أعلنت المحكمة براءته من الاتهامات التي طاولته عام 2017، ظهر في اللقاء مع مورغان شخصاً يحاول أن يكون أفضل. كذّب الاتهامات الموجهة إليه، وتحدّث عن قسوة والده النازي، والضائقة المالية التي يمر فيها، وبكى شبه منهار على حياته، وكأنه يطلب الصفح من الجمهور.
لا يهمنا اللقاء ومجرياته، بل نسأل عن باب التوبة بعد الاتهامات بالتحرش الجنسي، خصوصاً أنها جاءت بعد تبرئة هارفي وينستين من إحدى تهم الاغتصاب. تبرئة التي لم تؤدّ إلى خروجه من السجن. كما شهدنا قبل ذلك عودة لويس سي كيه إلى الساحة الفنية ونيله جائزة إيمي، واكتشاف أن الاتهامات التي طاولت الممثل عزيز أنصاري عام 2018 هي افتراء.
نطرح هذه الأمثلة كون باب "التوبة" أو العودة إلى الحياة ما زال مغلقاً، فعدالة الرأي العام ومقاطعة هوليوود ما زالت شديدة التسرع حتى بعد إثبات البراءة، كحالة سبيسي المُقاطَع كلياً إلى حد إعادة تصوير فيلم All the Money in the World لريدلي سكوت وذلك لحذف مشاهد سبيسي الذي كان يلعب دور البطولة.
لا نحاول هنا تبرئة سبيسي الذي ما زال في انتظار محاكمات مدنية، لكن لا بد من السؤال عن العقاب الهوليوودي وعقاب الرأي العام الذي يبدو أنه أبدي، أي إن أثبتت المحكمة البراءة أو التورّط في الذنب، يكفي الظن والاتهام لتدمير حياة المتهم. وهنا بالضبط نطرح السؤال على "أخلاق رأس المال"، كون المقاطعة التي تتم هدفها بداية الحفاظ على المتابعين والجمهور، وإصلاح صناعة السينما والترفيه من الداخل، وهذه بالضبط المشكلة.
المشكلة الثانية أيضاً في درب التوبة أنه غامض، لا شكل له، و"عودة" لويس سي كيه سببها ببساطة أنه بدأ ينتج عروضه بنفسه ويبيعها عبر موقعه الشخصي، من دون شركة إنتاج تلعب دور الوسيط، ما يعني أيضاً أن الجمهور وعلاقته مع "الأشرار" ليست شديدة الحدية، إذ يمكن أن يسامح على حساب الترفيه مثلاً، أو ربما للـ"أشرار" جاذبيتهم.
تتكشف تقريباً كل فترة العوالم المرعبة لهوليوود وصناعة الترفيه. آخرها كان فضيحة باف دادي (Puff Daddy)، وما يحيط به من شبهات وتورّط في جرائم متعددة. لكن اللافت دوماً هو الزمن الطويل قبل كشف الجريمة أو إطلاق الفضيحة، الذي ما إن ينتهي، حتى يتحول أمر القضاء الذي يحدّد البراءة من الذنب إلى أمر ثانوي، لكننا أمام موضوع حساس، وصراع الضحايا لا يمكن إنكاره، لكن يبقى السؤال: هل القضاء غير مهم أمام عدالة الجماهير؟
لا نحاول هنا جر التعاطف تجاه سبيسي (هذا أمر قد يورّط بعضهم بالاتهامات نفسها التي وُجّهت للممثل الأميركي)، لكن لا بد من التساؤل عن مسار العدالة ودوره في صيانة حق "البريء قانونياً"؛ أي، بصورة ما، في حال ثبتت براءة سبيسي الكاملة، هل سيقاضي "نتفليكس" على طرده؟ أم تكفي الشبهة والإجماع النسوي على الأمر؟ نطرح هذه الأسئلة كون حركة Me Too (أنا أيضاً) تتعرض إلى مساءلات داخلية، ومحاولة إعادة النظر في آليات الإدانة والعقاب، خصوصاً أمام حالة كحالة عزيز أنصاري، أو حالة أشد تعقيداً كحالة سبيسي، كون قوة وسائل الإعلام شديدة الخطورة، وهذا ما شهدناه في محاكمة آمبر هيرد وجوني ديب، الذي تحول الأخير إلى بريء، وواجه من اتهمته في المحكمة؛ فهل استعراض قانوني- شخصي كهذا هو درب البراءة المطلقة؟ يجب ألا ننسى أنّ قضية هيرد-ديب هي قضية تشهير وليست عنفاً منزلياً أو جنسياً. في قضايا العنف الجنسي تُحمى هوية الضحية، لكن ماذا عمن تثبت براءته، ألا سبيل له لمتابعة حياته بعد البراءة؟