كامالا هاريس وصورة الرئيس

29 يوليو 2024
لا يُعرَف كيف ستتناول السينما هاريس (روبرتو شميت/ فرانس برس)
+ الخط -

على كثرة الأفلام الأميركية التي تناولت شخصية رئيس الولايات المتحدة، وبعضها متخيّل، فإن قلة من الأفلام تناولته باعتباره امرأة، ومنها Don't Look Up (نتفليكس، 2021)، وأدت فيه ميريل ستريب دور رئيسة الولايات المتحدة الأميركية. هناك أيضاً فيلم Red, White & Royal Blue (صدر عام 2023)، وتؤدي فيه أوما ثورمان دور الرئيسة، ولم يحظ الفيلمان بإشادة النقّاد، بل إن الأخير لم يلفت انتباههم. يقال هذا بينما نتابع صعود كامالا هاريس، وربما نشهد وصولها إلى الرئاسة، في بلاد عرفت هوَساً كبيراً بمنصب الرئيس في الحياة والسينما قلما نجده في بلاد أخرى ولدى شعب آخر، فهناك مئات الأفلام الروائية والوثائقية التي تناولت كلياً أو جزئياً حياة الرؤساء الأميركيين، من جورج واشنطن إلى باراك أوباما.

وتصدر أبراهام لنكولن قائمة الرؤساء الأكثر ظهوراً في السينما، فقد تناولت حياته أو أبرز مفاصلها مئات الأفلام، يقدّرها بعض مؤرخي السينما بما لا يقل عن 300 فيلم، والأمر ينطبق بقدر أقل على فرانكلين روزفلت وأوليس غرانت وجورج واشنطن وتوماس جيفرسون وجون. إف. كنيدي وآخرين.

لم يقتصر هوس السينما الأميركية على الرؤساء، بل شمل نوّابهم أيضاً، لكن أفلاماً قليلة كان شاغلها وصول امرأة إلى الرئاسة، واقعاً أو تخيّلاً، وأقل منها ما انشغل باحتمال وصول امرأة إلى منصب نائب الرئيس، ومنها "المنافس"، وهو من إنتاج عام 2000، ما يعني أن إرث التناول السينمائي لصورة الرئيس/ة، ذكوري بامتياز، ليس لأسباب تتعلق فقط بالانحيازات المسبقة، وهي موجودة وليست افتراضية، بل لأن تاريخ تلك البلاد لم يشهد فعلياً وصول امرأة إلى منصب الرئاسة، وذروة ما شهده إلى الآن وصول كامالا هاريس إلى منصب نائب الرئيس، وهي أول امرأة تصل إلى هذا المنصب وربما إلى الرئاسة أيضاً.

لا يُعرَف كيف ستتناول السينما هاريس (هذا في حال تناولتها)، ولكن ما يظهر لها من صور على شاشات التلفزة أخيراً آخذ في التبلور والتماسك، وجزء لا يستهان به ليس من إنتاجها، بل من إنتاج معارضيها، وتحديداً معسكر المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، ما يكشف عن انحيازات قوية لا ينبغي التقليل من شأنها داخل المجتمع الأميركي ولدى نخبه السياسية. انحيازات أخذت بالظهور والتشكّل منذ وصول باراك أوباما إلى الرئاسة. تختفي حيناً وتصعد إلى السطح حيناً آخر، ما يكشف عن صراعات قوية لكن متكتّمة، تعكس تحولات عسيرة داخل الشخصية الأميركية، وربما انقسامات قد تنفجر دفعة واحدة في حال فازت هاريس بالانتخابات الرئاسية.

لننظر إلى صورة هاريس التي يحاول ترامب إنتاجها وتكريسها: "إنها يسارية وليبرالية متطرفة. معتوهة، كاذبة ومزورة، وتستحوذ عليها الرغبة بقتل الأطفال من خلال برنامجها للإجهاض". بقية الصورة نجدها لدى مرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، فالحزب الديمقراطي تديره مجموعة من "سيدات القطط اللواتي ليس لديهن أطفال، وحياتهن الشخصية بائسة بسبب اختياراتهن الشخصية"، وهو ما ينطبق بالنسبة له على هاريس، فكيف نسلّم البلاد إلى مثل هؤلاء؟

الواقع ليس السينما، والصورة فيه قد تمهّد لما هو أسوأ، وهي تستمد قوتها من اللاوعي الجمعي، ومن الانحيازات، والتمثّلات التي تظهر في الخطاب والفنون، ما يعني أننا أمام أول حالة في التاريخ الأميركي لإنتاج "صورة الرئيسة" وليس الرئيس هناك، ولا تعتبر هيلاري كلينتون سابقة يُعتّد بها، ذلك أنه نُظر إليها باعتبارها الجانب الأنثوي "السيئ" من زوجها، وليست مستقلة في حد ذاتها. وما يزيد الطين بلة في حالة هاريس، أنها ليست بيضاء ولا أنغلوساكسونية، بل من جذور أفريقية وهندية، ما يجعلها في بؤرة الانحيازات المسكوت عنها جمعياً، التي يعبّر عنها فردياً وبفجاجة ترامب ونائبه، وربما العديد من أعضاء الحزب الجمهوري، لكن هذا على خطورته وعسفه يعني أيضاً أننا أمام صورة مركّبة لهاريس، بالغة التعقيد والتشابك، على خلاف صورة الرئيس السابقة المكرّسة في السينما على الأقل، وهي بهذا تذكّر بلينكولن الذي كان أكثر الرؤساء ظهوراً في السينما، وليس بجورج بوش الثاني، ولا ترامب بالتأكيد.

المساهمون