بيتر كينارد: العالم من دون قناع

29 يوليو 2024
يضم معرض "أرشيف المعارضة " مجموعة كبيرة من أعمال بيتر كينارد (إكس)
+ الخط -

حين أراد فنان الغرافيك الإنكليزي بيتر كينارد التعبير عن رفضه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومطالبته بوقف الإبادة، لجأ إلى توظيف المثلث الأحمر في العلم الفلسطيني مؤشراً على نفاد الوقت. طبع هذا العمل مئات المرات، ورفع في العديد من الاحتجاجات والوقفات في بريطانيا وأماكن عدة من العالم. هكذا هي أعمال كينارد: سهلة ومُعبرة ومُباشرة ولا تحتاج إلى كلمات.

بيتر كينارد (1949) هو أحد الأسماء المعروفة في مجال الفن السياسي، أو صناعة الملصق الاحتجاجي، في بريطانيا منذ السبعينيات من القرن الماضي. يحظى الفنان اليوم بتقدير بالغ، ويُنظر إلى أعماله كأنها أيقونات في مجال الفن السياسي، الذي يتولى تدريس أصوله لطلبة الكلية الملكية للفنون في لندن.

عبرت أعمال كينارد التي اعتمدت على التوليف بين الصور على العديد من الأحداث المُهمة خلال العقود الماضية، بداية من حرب فيتنام وحتى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لم يترك الفنان الإنكليزي حدثاً إشكالياً خلال هذه العقود الخمسة إلا وعبر عن رؤيته الشخصية تجاهه، لهذا يمثّل سجله الفني أرشيفاً مهماً لهذه الأحداث، كونه يعكس المعارك والسجالات التي دارت من حولها.

بيتر كينارد: المثلث الأحمر في العلم الفلسطيني مؤشراً على نفاد الوقت (إكس)
المثلث الأحمر في العلم الفلسطيني مؤشر على نفاد الوقت (إكس)

تقديراً لأهمية هذه التجربة الملهمة التي يمثلها كينارد، يستضيف غاليري وايت شابل في لندن حالياً معرضاً جامعاً لأعماله. يُقام المعرض تحت عنوان "أرشيف المعارضة" Archive of Dissent. يمثل المعرض سرداً في غاية الأهمية للتاريخ الاجتماعي والسياسي خلال العقود الخمسة الماضية، كما يلقي الضوء على ممارسة فنية طالما عارضت واحتجت على الأوضاع الراهنة.

منذ السبعينيات، أنتج بيتر كينارد ما يمكن وصفه بأنه أكثر صور الاحتجاج والمعارضة شهرة وتأثيراً، من حرب فيتنام، ومناهضة الفصل العنصري، وحملة نزع السلاح النووي، والتدهور البيئي، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. يضم المعرض أرشيفاً كبيراً من المطبوعات واللافتات والمُلصقات والصحف التي نُشرت فيها هذه الصور لأول مرة، إضافة إلى الكتب المتخصصة التي تطرقت إلى تجربة كينارد الفنية بالرصد والتحليل.

يسلط المعرض الضوء على الأساليب المختلفة التي شكل بها الفنان أعماله تلك، بدءاً من الصور المركبة التي كان يصنعها منذ السبعينيات والمستوحاة من أعمال أستاذه جون هارتفيلد، إلى أساليب الحذف والإضافة والرسم على الفوتوغرافيا.

يُذكر أن جون هارتفيلد (1891-1968) هو أحد رواد فن المونتاج الفوتوغرافي، الذي وظفه أداة سياسية أثناء الحرب العالمية الثانية. اعتمد كينارد في أعماله على تفكيك الصور المألوفة التي تحظى بانتشار واسع، وإعادة صوغها بأساليب مختلفة.

تكشف الكثير من أعمال الفنان العلاقة بين السلطة ورأس المال والحرب والتدهور المناخي، وغيرها من الأزمات المحيطة بعالمنا المعاصر.

يتضمن "أرشيف المعارضة" العديد من أعمال بيتر كينارد المؤثرة، من بينها مثلاً عمله "تاتشر بلا قناع" الذي أنتجه في عام 1986 أثناء تولي مارغريت تاتشر منصب رئيسة الوزراء في بريطانيا. يعبر كينارد في هذا العمل عن وجهة نظره تجاه السياسة الاقتصادية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة وما اتسمت به هذه السياسة من تناقضات.

يضم المعرض أيضاً نماذج من معرضه "الكود الأحمر" الذي أقامه تزامناً مع مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي عام 2021. جمع بيتر كينارد في هذه الأعمال بين الصورة الجميلة للأرض التي التقطها رواد رحلة أبولو في عام 1972 وأقنعة الغاز ومداخن المصانع ومصافي النفط، من أجل التعبير عن المخاطر المُحيطة بالكوكب.

يضم المعرض أيضاً أحدث إنتاج للفنان حول غزة، الذي طالب من خلاله بوقف العدوان الإسرائيلي. يقول كينارد: "فني نابع من قناعتي بأن البحث عن الثروة والربح يحكم مجتمعنا. الربح يخفي الفقر والعنصرية والحرب والكوارث المناخية". وهو حين يمزج بين صورتين يشعر كما يقول إنه نقر مرتين على مصراع الكاميرا للكشف عن معنى ثالث للمشهد. يؤمن بيتر كينارد أيضاً بأن للصورة دوراً مهمّاً في التعبير عن مخاوفنا، والتذكير بها طوال الوقت في عالم مهدد بالمخاطر. يجمع أرشيف المعارضة عشرات الأعمال المُعبرة عن هذه القناعات، ويكشف عن أكاذيب السياسة ورأس المال، كما يُعطي مساحة للضحايا للتعبير عن أنفسهم.

درس بيتر كينارد في الكلية الملكية للفنون في لندن، ويعمل بها حالياً أستاذاً فخرياً للفن السياسي. عرضت أعمال الفنان في مدن وعواصم عدة حول العالم، وهي جزء من مجموعات متحفية بارزة مثل تيت غاليري، ومتحف تيرنر، وفيكتوريا، وألبرت، وغيرها من المتاحف الأخرى. ووظفت صور بيتر كينارد في مئات المطبوعات والصحف، وأعيدت طباعة الكثير منها آلاف المرات على هيئة ملصقات ولافتات وأغلفة كتب، وكانت أعماله حاضرة دوماً في معظم الاحتجاجات المُناخية حول العالم.

المساهمون