فاندام و"ثنائياته": تحليلٌ مشوّق وممتع رغم سلبيات قليلة

24 مايو 2023
جان ـ كلود فاندام: ممثل مُثير للجدل والاهتمام والتحليل (ريتشارد بورد/Getty)
+ الخط -

 

تحليلٌ نقدي يمزج السينما بالسيرة الحياتية والنفس البشرية، والتأثيرات والموروثات التي تساهم في تشكيل كيانٍ فردي لممثل، يغادر بلده الأصلي إلى أميركا، حيث يصنع حضوراً له، وإنْ يكن مرتبكاً ومتفاوت الأهمية الفنية والتجارية. الصحافي والجامعي ديفيد دي سيلفا (دكتوراه في الدراسات السينمائية، ودبلوم من "المعهد الفرنسي للصحافة") يُشرّح البلجيكي الأصل جان ـ كلود فاندام، في كتابٍ غير مُكتفٍ بنقدٍ سينمائي مباشر، لتوسّعه في علوم النفس والاجتماع والتربية، والفنون القتالية، والمسار التاريخي/السياسي لأميركا وتحوّلاتها، ولهوليوود ومساراتها.

"جان ـ كلود فاندام وثنائياته" (ترجمة حرفية لـJean – Claude Van Damme Et Ses Doubles، علماً أنّ للمفردة الفرنسية Doubles أكثر من معنى، نفسي وسينمائي وثقافي، في سيرة الممثل، بحسب الكتاب) نصّ مهمّ يُكمِل نصوصاً شبيهة للكاتب نفسه، مع سيلفستر ستالون ("بطل الطبقة العاملة"، 2016) ومِلْ غيبسون ("الطيب، البشع والمؤمن"، 2018)، أو عن "الملاكمة في هوليوود: من شابلن إلى سكورسيزي" (2017) و"الشعبوية الأميركية في السينما" (2015)، وغيرها. فنصّ فاندام مُشبعٌ بمراجع موثّقة، معظمها منتمٍ إلى أشرطة خاصة بلقاءات تلفزيونية، ومقتطفات من كتبٍ في العلوم الإنسانية، تتوافق (المقتطفات) مع ما يرغب دي سيلفا في تحليله، ولقاءات يُجريها بنفسه مع أناسٍ لهم علاقات مختلفة مع "البلجيكي"، كما يُشير إليه مراراً في الكتاب.

اللقاءات تلك غير محصورة بمخرجين ومنتجين، إذْ تنفتح على مُصوّرين وتقنيين و"بدلاء"، أي أولئك الذين يؤدّون المَشَاهد الخطرة بديلاً عنه. أناسٌ من أميركا ودول آسيوية، مشهورة بالفنون القتالية، ولهذه الأخيرة ثقافات وقواعد مختلفة، يُدرجها دي سيلفا في سياق بحثه في شخصية فاندام، وسيرته التي تظهر بين حين وآخر، فالكتاب غير مندرجٍ في إطار "السيرة الحياتية" البحتة، أو "المذكرات"، لكونه تحليلاً، تكون السينما فيه نواة أساسية، مع اعتمادٍ على النَفس وعلاقات الصداقة، والشخصية المتقلّبة في بلاتوهات التصوير والحياة اليومية.

 

 

قراءة الكتاب ممُتعة، لتمكّن مؤلّفه من سرد حكاية فاندام بسلاسة وتبسيطٍ، رغم الكمّ الهائل من المعطيات العلمية والفنية والفكرية، من دون مبالغة في تمجيد الشخص، ومن دون تسطيحٍ لاشتغالاته وتفكيره وأقواله وعلاقاته، مع الإشارة الدائمة إلى تباينٍ واضح في مستويات أفلامه، وممارسات عيشه. ينقل عنه إعجابه بسيلفستر ستالون وتوم كروز مثلاً، لكنْ أيضاً بأوليفر ستون. يروي نوعاً من منافسة/صراع بينه وبين ستيفن سيغال. يكشف انغماسه المطلق بدور/شخصية، أياً تكن نتيجة اشتغاله. يذهب إلى الشخصي البحت (المخدرات، الصداقة، العائلة)، ويُساجل أعماله المختلفة. يستشهد بمعارف وعاملين معه، وينتقي من حوارات تلفزيونية وصحافية كثيرة ما يؤكّد قولاً أو تحليلاً، أو ما يُناقضهما، أو ما يفضحهما.

رغم هذا، يُصاب القارئ بـ"تعبٍ" ناتجٍ عن كثرة الهوامش في كلّ صفحة (288) تقريباً. لكنّ الهوامش مراجع وتعليقات ومقتطفات تُضيف إلى النصّ، ولا تُشوّه القراءة ومتعتها. قراءة كتاب ديفيد دي سيلفا إضافة ثقافية وفكرية وتحليلية، تدفع إلى إعادة النظر في أفلام ممثلٍ، له شعبيّة كبيرة (نسائية أولاً، وبالنسبة إلى المثليين أيضاً، كما في الكتاب)، لكنّ غالبية النقد غير متوافقة معه. في الفنون القتالية "كوريغرافيا"، يتفنّن فاندام في ابتكارها وحده، أو بمشاركة صديق الطفولة، المغربي محمد قيسي (سيحصل خلافٌ بينهما، وابتعادٌ، قبل مصالحة غير متمكّنة من إعادة الصداقة إلى موقعها الأصلي)، أو مع آخرين لهم، في الفنون نفسها، ابتكارات ومواقف.

مشكلة أخرى: الطباعة غير موفّقة. نوع الورق، وشكل الأحرف، والتصميم الفني، أمور عادية للغاية، وغير بصرية/سينمائية، كما يُفترض بكتبٍ كهذه أنْ تكون عليه. الصُور الفوتوغرافية، وبعضها مأخوذٌ من أرشيفٍ شخصي لأناسٍ مختلفين، مطبوعة بالأسود والأبيض، بشكل سيئ. هذه مسائل يُفترض بها ألا تكون بهذا الاستسهال، لما في الصور على الأقلّ من أهمية فنية وتحليلية.

كتابٌ مشوّق وممتع ومفيد. هذه حصيلة قراءة تناقش مهنة، وتُفكّك نفساً وروحاً وجسداً، وتُعرّي المخبّأ، أو بعضه على الأقلّ، رغم كلّ ملاحظة "سلبية"، لن تحول دون التنبّه إلى أهميته، الأكبر والأعمق منها.

المساهمون