عين التمر... عاصفة الإهمال تهب على عروس الصحراء العراقية

08 سبتمبر 2021
كانت المنطقة مقصداً للسياح (العربي الجديد)
+ الخط -

على حافة الصحراء الغربية لمدينة كربلاء المحاذية لمحافظة الأنبار تقع منطقة عين التمر. واحة خضراء تزدحم فيها عيون المياه. عيون ساعدت هذه المنطقة القاحلة على البقاء والصمود لقرون طويلة، وقد شكّلت عبر التاريخ استراحة مهمة للقوافل العابرة من العراق إلى الجزيرة العربية والشام وبالعكس.

تاريخ منطقة عين التمر

يقطن منطقة عين التمر، التي تبعد عن كربلاء نحو 70 كيلومتراً، ما يقارب 30 ألف نسمة، ويقول مؤرخون إن وجودها أقدم من عشرات المدن العراقية الأخرى الناشئة، وفيها عثر على رقائم وألواح تعود لفترات ما قبل الميلاد. سميت البلدة بـ"عين التمر" بسبب تعدد أنواع وصنوف النخيل فيها، إذ يعتبر بعضها نادراً، مثل التمر الأحمر العسلي، والتمر المائل للخضرة، وتمر البرحي.

وتضم المنطقة عدداً من القصور التاريخية القديمة، مثل قصر العين، وقصر الجردان، وقصر البهوي، وهي عبارة عن بيوت ضخمة مبنية من الصخور الموجودة في بيئة المنطقة ذاتها، وبسقوف من جذوع النخل المطلي بالقار، إلى جانب قصور ومبانٍ تاريخية موجودة عند مدخل بداية المنطقة، أبرزها قصر شمعون، الذي يقع في الجزء الشمالي الشرقي من البلدة، إضافة إلى موقع لكنيسة تاريخية تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وعلى مقربة منها أيضاً الحصون العسكرية الإسلامية، وتدعى حصن الاخيضر.

وقد نسب إلى عين التمر عدد من أعلام العراق القديم، مثل الحسن البصري، وأبو العتاهية، وابن سيرين، وفيها وقعت أبرز معارك العرب المسلمين ضد الفرس الساسانيين سنة 633. وتعرف البلدة أيضاً باسم "شثاثة"، وتعني باللغة الآرامية الرائقة أو الصافية، وتلفظ أيضاً "شفافا". 

في السنوات الأخيرة عانت البلدة من الإهمال، إذ إن تراجع الاهتمام الحكومي بالمواقع السياحية وتوقف الدعم المخصص لرعايتها انعكسا سلباً على المنطقة التي تراجعت نسب السياح الوافدين إليها بأكثر من 80 في المائة، وفق ما يقول مسؤولون محليون لـ"العربي الجديد".

يؤكد أستاذ التاريخ العراقي القديم مرتضى جبار أنّ عين التمر كانت محطة مهمة في تاريخ العراق القديم منذ آلاف السنين، وسر وجودها هو عيون المياه التي لا تنضب فيها، ووقوعها على مفترق طرق حضارات مهمة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية.

 

 

ويتوقّع أن تشهد المنطقة اكتشافات تاريخية مهمة في حال دخلت إليها فرق التنقيب والبحث. إذ كانت آخر الفرق الداخلة إليها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وقد اكتشف العلماء وقتها عدداً من المواقع الأثرية المهمة.

"عين التمر" محمية طبيعية في طي النسيان

من جانبه، يقول ماجد الخياط، وهو خبير سياحي عراقي، إن منطقة عين التمر مصنفة داخل العراق على أنها من المحميات الطبيعية والبيئية، لكن عملياً لا اهتمام رسمياً بها. ويضيف أنه إلى جانب عيون الماء هناك عيون كبريت تستخدم لأغراض علاجية للأمراض الجلدية، وهناك أعشاب ونباتات مهمة تستخدم أيضاً في أغراض مختلفة، لكن ما زال الإهمال يعصف بالمنطقة منذ سنوات، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنه "بسبب الإهمال صار الناس يبتعدون عنها لانعدام المرافق الخدمية وأماكن الاستراحة والسكن السياحي فيها". 

ويقول قائمقام البلدة رائد المشهداني، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات في كربلاء قررت إعادة العمل على تأهيل المنطقة ككل، وخاصة ينابيع العيون التي تأثرت كثيراً بانخفاض مناسيب المياه الجوفية وعوامل طبيعية مختلفة، مبيناً أن المنطقة ورغم كل الإهمال ما زالت تشهد توافداً للسياح العراقيين إليها. 

عصام مدلول (67 عاماً)، وهو أحد سكان عين التمر، تحدث لـ"العربي الجديد" عما وصفه بـ"معارك المدينة للبقاء"، شارحاً أن الإهمال وتراجع الاهتمام دفعا بالكثير من السكان إلى مغادرتها والاتجاه إلى النجف وكربلاء بحثاً عن العمل أو طمعاً بخدمات أفضل.

ويضيف "المدينة قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003 كانت عامرة وعيون المياه تتفجر فيها والنخيل مثمر والنباتات لا تحتاج لسقي والهواء العذب يلف المنطقة، ما جعل السياح يتوافدون إليها "لكن اليوم تغيرت الصورة كثيراً، وحتى العيون جفت كثيراً من دون معرفة سبب ذلك". 

ويطالب مدلول بالالتفات إلى مدينته "خاصة مسألة تعبيد الطرق الصحراوية الواصلة إليها من كربلاء والأنبار وتوفير مشاريع خدماتية، وبذلك سيكون هناك أمل بعودة السياح إلى المنطقة وتشغيل الأيدي العاملة من السكان المحليين، خصوصاً الشباب الذين يعانون من عدم توفر العمل بسبب الشلل الذي أصاب الحركة السياحية منذ سنوات".

المساهمون