للجوائز السينمائية فائدة نفعية واحدة، إذا استبعدنا عنها منفعتها المادية: تُقدِّم الفيلم إلى جمهور أوسع؛ تساهم، بطريقة أو بأخرى، في انتشار الفيلم الفائز، وتحثّ المتلقّي على مشاهدته. هذا لا يعني أنّ هناك سعياً إلى الجائزة من جهة الإنتاج، أو من المخرج، بقصد الشهرة. أو أنّ الأخير يخرج فيلماً وعينه على الجائزة، فأغلب الجوائز تتّسم بعدم المصداقية. كما أنّ الثقة تغيب عن معظم محكّميها، أو المشرفين عليها.
عشّاق السينما، في كلّ مكان، ومع اقتراب حفلة التوزيع السنوي لجوائز "أوسكار" مثلاً، يتابعون أخبار حمى المنافسة والتوقّعات، مع حكاية تتعلّق بالحفلة، التي تثير نتائجها، غالباً، جدلاً في الأوساط السينمائية.
لا شكّ أنّ الجوائز السينمائية تخضع، في اختياراتها، لاعتبارات كثيرة، لا تكون فنّية فقط، بل متأثّرة بحدثٍ تاريخي، أو بالسياسة، وبغير ذلك.
وإذ يتمّ اختيار جوائز "أوسكار" حصراً في هذه المقالة، فلأنّها الأهم والأشهر، والأكثر إثارة للجدل في تاريخ السينما، فضلاً عن أنّها أقدم الجوائز المعروفة. بل أنّ الجوائز الأخرى، كـ"سيزار" و"بافتا" و"غويا"، تحاكي "أوسكار" في أسلوب توزيعها ونظامها، الذي تعتمده في الاختيار.
منذ أسلوب مارلون براندو في التعامل مع "أوسكار"، في النسخة الـ45 (27 مارس/آذار 1973)، المتمثّل برفضه الجائزة في فئة أفضل ممثل، عن دوره في "العرّاب" (1992) لفرنسيس فورد كوبولا، فحضرت بدلاً منه الممثلة الأميركية المتحدّرة من السكّان الأصليين، ساشين ليتلفيثر، وقالت إن الممثل لا يمكنه قبول الجائزة "للأسف الشديد"، احتجاجاً على طريقة تصوير هوليوود الأميركيين الأصليين في الأفلام؛ منذ تلك اللحظة، ونحن أمام سيل من الحكايات عن أخطاء هذه الجائزة.
من طرائف ما يُذكر، في إطار تأثّر الجائزة باعتبارات مختلفة، ما قالته كيت وينسلت، المُرشّحة لـ"أوسكار" 5 مرّات، في المسلسل الكوميدي "إكستراس" (إنتاج قناة "بي بي سي"، 2005)، كدُعابَة: "ثلاثة لهم الحظّ الأكبر في الفوز بـ"أوسكار": المُعوّقون، واليهود، والمثليّون الجنسيون". يمكن إضافة السود، الذين لم ينل أحدٌ منهم الجائزة، إلاّ بعد أكثر من سبعين عاماً على انطلاقتها، باستثناء الممثل العبقري سيدني بواتييه، عندما انتبه المسؤولون عنها إلى فداحة عدم منحها إلى ممثلين أفروأميركيين. عندها، مُنحت الجائزة، عام 2002، إلى ثلاثة منهم دفعة واحدة: هالي بيري أفضل ممثلة، ودنزل واشنطن أفضل ممثل، وسيدني بواتييه مجدّداً عن مجمل أعماله، عشية انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتّحدة الأميركية.
الأمر نفسه حصل في الدورات الأخيرة للجائزة نفسها، إذْ غالباً ما توجَّه إليها انتقادات بسبب ضعف تمثيل النساء والأقليات في ترشيحاتها. فالظاهرة التي أشعلت الوسط الفني، خاصة، المتزامنة مع النسخة 90 (4 مارس/آذار 2018)، متمثّلة بقضية التحرّش الجنسي، إذْ تضامنت أصوات النساء ضد الاعتداءات عليهنّ، وبعضهنّ روى تفاصيل مُروّعة عن امتهان أجسادهن. والحملة معروفة بشعار "أنا أيضاً" (Me Too)، التي ستكون من أكثر الحركات النسوية انتشاراً وتأثيراً. تبنّت الجوائز، كما الوسط السينمائي، شرارة هذه الثورة النسائية في الاحتفالات السينمائية، التي طبعت الحدث بملابس سوداء اللون، كما حدث في حملة "نفد الوقت" في "غولدن غلوب"، أو في اختيار نساء لتقديم الحفلات في مهرجانات أخرى، وهذا ظهر واضحاً في الترشيحات الأخيرة لـ"أوسكار".
في الدورة الـ93 (25 أبريل/نيسان 2021)، كان هناك بروز واضح وكبير للنساء في الترشيحات، وكان لافتاً للانتباه أنّ "أكاديمية أوسكار" استجابت لهذا الأمر، فاختارت امرأتين من المُرشّحين الخمسة لجائزة أفضل إخراج، هما كلوي تشاو عن "نومادلاند"، وإيميرالد فينيل عن "شابة واعدة". هذا شكّل سابقة في تاريخ الجائزة، وأكّدت الجوائزُ الإنجازَ، إذْ فازت 15 امرأة بـ17 جائزة، وهذا رقم قياسي.
من أخطاء الجائزة، ما حصل في النسخة الـ82 (7 مارس/آذار 2010)، إذْ للأسباب نفسها فضّلت الأكاديمية "خزانة الألم" لكاترين بيغولو على فيلم طليقها، جيمس كاميرون، الفيلم الظاهرة "أفاتار". لمن شاهد الفيلم، لم تكن الأسباب عائلية، طبعاً، بل سياسية بامتياز، فالأفلام التي تناولت حرب أميركا في العراق لم ترتق، فنياً وفكرياً، إلى مستوى الحدث، أو أنّها تتقاطع وخطاب المؤسّسة السياسية الأميركية، فكان لا بُدّ، والحال هذه، أنْ ينال فيلم بهذا الموضوع الجائزة الأهمّ، خاصة أنّ الفيلم انتصر لما فعلته هذه السياسة في العراق.
لا يعرف أي من مؤرّخي السينما السببَ الذي يتعلّق، خاصة، بتجاهل الأكاديمية لصنّاع أفلامٍ، تُعدّ مهمة في تاريخ الفنّ السابع، وبعضها لا يُصدّق أنّ هذه الجائزة أخطأت أسماء، كستانلي كوبريك وروبرت ألتمان وألفرد هيتشكوك وسيرجيو ليوني وأورسن ويلز، وغيرهم من أعمدة السينما، منذ انطلاقتها. فأخطاء كثيرة تعجّ بها الجائزة، في مختلف مراحل تاريخها. الجائزة نفسها ظلمت، في ثلاثة عقود، مخرجاً كبيراً كمارتن سكورسيزي، منذ منحها "روكي" (1976)، لجون جي. أفيدسن، 3 "أوسكارات"، بينها أفضل فيلم (إرفين وينكلير وروبرت شارتوف) وأفضل إخراج، على حساب تحفته "سائق التاكسي". كما أنّه لا يمكن نسيان الإجحاف الذي لحق بـ"خيط أحمر رفيع"، لتيرينس ماليك، عندما منحت الجائزة إلى "إنقاذ الجندي راين" لستيفن سبيلبيرغ، في النسخة الـ71 (21 مارس/آذار 1999).