صور مرتبكة وكتابة مفتعلة في "أحلام سيتي"

11 ديسمبر 2021
مراد الخودي برع في اختيار فضاء "أحلام سيتي" (فيسبوك)
+ الخط -

على الرغم من الإنتاج الغزير الذي تحبل به القناة الأولى في المغرب، تبقى أعمالها هشّة وغير قادرةٍ على اجتراح أفق فنّي جديدٍ، بعيداً عن سياسة الترفيه والاستهلاك. هذا حاضرٌ في أفلامٍ ومُسلسلاتٍ مُتنوّعة ينتجها التلفزيون العمومي منذ التسعينيات ويُكثر منها خلال كل شهر رمضان.

"أحلام سيتي" للمغربي مراد الخودي واحد من الأعمال التلفزيونية التي قد تستحق المُشاهدة لولاَ هشاشة النصّ وعدم قدرته في بعض المَشاهد على الخروج من نمطٍ كوميديّ أضحى مألوفاً داخل الأعمال المغربيّة.

تفتقر السلسلة إلى عنصر الجودة القائم على خلق إشكاليّة درامية بنيوية مُتخيّلة وتشذيرها إلى قصصٍ وحكاياتٍ داخل الحلقة الواحدة. هذا غير موجودٍ إطلاقاً في الكوميديا المغربية، رغم وجود مَشاهد كوميدية قويّة تبرز في بعض المَشاهد، لكنّها سرعان ما تختفي ولا تعود إلا بعودة الممثل أو الممثلة نفسها إلى المَشهد. السبب يكمن في عسر الكتابة بالدرجة الأولى وعدم قدرة المُؤلّف على نحت شخصياته كوميدياً بنفس الحدّة والكيفية التي تبرز لدى بعض الممثلين.

والحقيقة أنّ انخفاض منسوب الكوميديا والسخرية داخل الأعمال المغربيَّة، في الوقت الذي تُعتبر فيه الكوميديا العنصر الفنّي البارز، يرجع أساساً إلى لحظة التأليف وضعف كادر التمثيل. ففي "أحلام سيتي" تُسند بعض الأدوار إلى ممثلين لا تتوفّر فيهم على مستوى الأداء شرط الكوميديا، فيُصبح الدور نشازاً بالنسبة للمسار الدرامي أو الكوميدي الذي تنحته الشخصيات ككلّ. يبدو عمر لطفي هزيلاً في دوره وبارداً وغير مُقنعٍ في حواراته. الأمر نفسه ينطبق على الممثلتين نادية أيت وأسماء الحضرمي، رغم إمكاناتهما الفنّية البارزة داخل أعمالٍ تلفزيونية أخرى. والسبب لا يعود إلى ضعف الشخصيات نفسها من ناحية الأداء، بل أحياناً يتدخّل البورتريه الذي رسمه الفنّان لمُشاهديه طيلة سنواتٍ فيُؤثّر سلباً على عملية تلقّي الأداء الجديد.

يحكي "أحلام سيتي" قصّة فتاة تُدعى "زينب" (فاطمة الزهراء لحرش) تشتري بيتاً في منطقةٍ بدويّة مُطلّة على البحر حيث تُقرّر الإقامة فيها رفقة عائلتها، لكنّهم سرعان ما يصطدمون منذ اليوم الأوّل بعائلة "الزيتوني" (محمّد خيي) صاحب الأرض الفلاحية المُجاورة لمنزلهما الجديد قرب البحر. بهذه الطريقة يأخذنا مراد الخودي إلى يوميّاتٍ كوميدية بين عائلتين مغربيّتين، الأولى تُحاول نسيان جحيم المدينة والاستمتاع بهواء البحر وشمسه، والثانية أكثر أصالة وتجذّراً في عادات وتقاليد البادية.

لا شك أنّ موضوعاً هامّاً كهذا، له خصوصياته داخل الاجتماع المغربيّ، بما يجعله قابلاً لفتح فُسحة كوميدية على مدار 30 دقيقة. لكنّ التسرّع في عملية الكتابة وبساطة بعض الحوارات وتقريريتها تنزع عن الفكرة أهميّتها في خلق محتوى كوميدي قوي يكتسب خصوصياته لا من ذاته فقط، بل من مُعجمه القريب من المُشاهد المغربي. إذْ ثمّة مجهود في العناية بعائلة "الزيتوني" وما يُرافقها من شخصياتٍ مُذهلة وحواراتٍ قويّة بخطابها الكوميدي، لكنّ سرعان ما يخفت وَهَجُ الصورة وحدّة الأداء، حين تلتفت الكاميرا صوب عائلة "زينب"، ويتبدّى بعض الارتباك في تقديم خطاباتٍ كوميدية غنيّة قادرة على إمتاع المُشاهد بنفس الطريقة التي تذهلنا بها شخصية "الزيتوني" وعائلته، في الدفاع عن نفسها.

الواضح عدم قدرة المُخرج على اختيار وتحريك الممثلين بنفس المستوى والنّسق بين الشخصيات، ما يجعل السلسلة مشروخة البُنيان ولا تلتقط تفاصيل صغيرة من حياة العائلة وتطرحها برؤية كوميدية ساخرة من الاجتماع ككلّ، قد لا تُضحك المُشاهد، لكنّها تتفتّح في ذهنه وتجعله تلقائياً يبتسم في ذاته ويضحك ويتفاعل مع الشخصيات في لحظاتٍ معيّنة من مسار العمل الكوميديّ.

هذا مع العلم أنّ مراد الخودي برع في اختيار فضاء العمل، إذْ رغم صغر المكان استطاع أنْ يجعله فضاءً مُتخيّلاً لمسار حكايته وبنفس الرؤية المُتوهّجة في اختيار الأكسسوارات وتماهيها مع الشخصيات وأذواقها ومرجعياتها الذاتية فنياً وجمالياً.

المساهمون