رشا حلوة: "حمّام راديو" منصة لأحلامنا ونضالاتنا

30 اغسطس 2021
الصحافية الفلسطينية رشا حلوة (جوردي سيرفيرا)
+ الخط -

تُعدّ الصحافيّة الفلسطينيّة رشا حلوة (1984) من الوجوه النسائية الهّامة التي تُساهم يومياً داخل الصحافة العربيّة في خلق مُحتوى وخطاب إعلامي مختلف حول النساء ومكانتهن ومُستقبلهن داخل مجتمع عربي مُتحوّل. فقد قادها شغفها بالكتابة وبأحوال المرأة ومُتخيّلها ويومياتها داخل مجتمع قاهر إلى أنْ تكون مستقلّة في توجّهاتها وأفكارها ومواقفها، سواء تعلّق الأمر بطبيعة كتابتها داخل مُدوّنتها "زغرودة" إلى جانب عدد من الجرائد والمَواقع العربيّة. إذْ تحرص فيها على تكريس صورة الصحافيّة الناقدة والمُخلخلة لعدد من القضايا السياسية والاجتماعية في علاقاتها بالمرأة العربيّة، أو من جانب الأعمال الميدانية الجماعية، التي تقوم بها داخل برلين وخارجها. كما هو الشأن مع تجربة "حمّام راديو" الذي أسّسته مع زميلتها الحقوقية اللبنانية عبير غطّاس. وبمجهود جماعي مع فريق نسويّ صغير نسبياً، استطعن تحرير النقاش من بُعده الذكوري داخل أماكن ضيّقة وجعل النساء تدخل فيه كمحور مركزي في عملية البوح والتفكير ببعض مآزق وأهوال الاجتماع العربي.

عن فكرة تأسيس "حمّام راديو" وأهميّته في تكريس صوت المرأة وحريتها، كان لـ "العربي الجديد" هذه المقابلة الخاصّة مع رشا حلوة:

- رشا حلوة، بداية، كيف جاءت وتبلورت فكرة إطلاق "حمّام راديو" من برلين خلال فترة الحجر التي شهدها العالم، ثم ما الداعي إليها في هذه المرحلة الحرجة بالذات؟
"حمّام راديو" هو امتداد لمبادرة "حمّام توكس"، التي كنا ننظمها أنا وصديقتي عبير غطّاس في مقهى حمل الاسم "بيكش" في برلين آنذاك، وهو مقهى كويري ونسويّ. وفي اللحظة التي انتقلت حياتنا من الشوارع والمقاهي والبارات إلى شاشة اللابتوب، شعرنا بأنّ علينا أن نستمر في ما كنا نقدّمه في المقهى إلى الفضاء الافتراضي، بالأساس كي نشعر بأننا لسنا وحدنا في هذه الصدمة التي دخلت حيواتنا كبشر وكنساء خاصّة.
رأينا جدوى في لقاءات "حمّام توكس" بخلق مساحة آمنة لنساء من خلفيات ثقافية متنوعة، وخاصة النساء الملوّنات women of color، مساحة للتعبير عن أنفسهن، لمشاركة أفكارهن وقصصهن، للنقد، للنشاط النسوي والسياسي... وفي لحظة اختفت المساحات "الحقيقية"، ومع كثير من ثقل الوحدة، بحثنا عن طريق نستمر في خلق هذه المساحات التي تشبهنا، في الوقت أيضاً الذي زاد العنف ضد النساء والمجموعات المستضعفة في العالم مع الحجر الصحي والوباء العالمي. كان علينا أن نفعل شيئاً، هذا الشعور نبع من مسؤولية تجاه أنفسنا وأخريات نتشارك معهن همومنا وأحلامنا، ونتقاطع في نضالاتنا النسوية والسياسية، من فلسطين إلى العراق وإيران، مروراً بالصحراء الغربية إلى السود في أميركا وغيرها.

- ماذا عن النجاح الذي حقّقه هذا الوسيط السمعي النسويّ، مقارنة بالبرامج الأخرى التي تبثّها بعض القنوات الرسمية داخل العالم العربي؟
لست في موضع تقييم نجاح الوسيط السمعي من عدمه مقارنة بمنصات أخرى، وأقصد بأخرى منصات وبرامج بديلة وليست رسمية، لكني سأتطرق إلى ما يميّز "حمّام راديو": بداية، تفعيله بشكل تشاركي، من خلال مجموعة القائمات عليه، أي فريق الحمّام المكوّن من أربع نساء موجودات في بلاد متنوعة. الأمر الثاني، أنّ المحتوى والمضمون تُنتجه شبكة كبيرة من النساء والناشطات النسويات والكويريات الموجودات في أماكن عديدة في العالم، وهذه الشبكة تتوسّع باستمرار. والأمر الثالث أنّ هذه المنصة متخصصة من حيث موضوعها الأساسي، ألا وهو النسوية والكويرية وقضايا الحقوق والحريات والصحة النفسية، وفي الوقت نفسه هو واسع، أي البرامج التي انطلق معها الراديو تنوّعت ما بين الترفيهي والتوعوي والأكاديمي والسياسي والثقافي وما إلى ذلك.
لا أرى مقارنة نزيهة فيما بيننا وبين القنوات الرسمية في العالم العربي، لأسباب عديدة، منها أننا جئنا كمنصة منظورها النسوي نقدي تجاه ما تبثّه القنوات الرسمية التي ما زالت فيها صورة المرأة مرهونة للمعايير الذكورية والأبوية والسلطوية التي نحاربها ونناضل من أجلها في حيواتنا الشخصية وعبر نشاطنا النسوي والكويري والسياسي. المسألة الثانية، نحن منصة تطوعية، مواردنا هي ما نؤمن به وحاجتنا لعالمٍ تعيش فيه النساء بعدالة وحرية وكرامة. طبعاً بالإضافة إلى ما يوفّره الإنترنت من منصات يمكننا استخدامها لخلق المحتوى الذي نرغب به.

- لماذا هذا الرهان على الصوت في "حمّام راديو" بدل الصورة، رغم أهميّة هذه الأخيرة وتأثيرها في مُتخيّلة المُشاهد؟
للصوت مواضع قوة عديدة غير موجودة في المنصات المرئية والمسموعة سوية، منها أن الاستماع إلى برنامج أو حلقة إذاعية أو أي مضمون صوتي لا يتطلب من المستمعة (أو المستمع بالتأكيد) أن تبقى في مكان واحد وأن تركز فقط في شاشة التلفزيون أو اللابتوب أو الهاتف، بل بإمكانها أن تستمع إلى أي محتوى صوتي من خلال قيامها بأي فعل آخر؛ المشي، الركض، أشغال البيت، قيادة السيارة أو العجلة، وما إلى ذلك من أفعال أخرى. أي مع الاستماع تتوفّر الحركة.
هذا لجهة التلقي، أما لناحية إنتاج المضمون، ففي الصوت تكمن إمكانية أن يخفي الشخص المتحدث، المرأة المتحدثة في حالتنا، بأن تخفي هويّتها إن أرادت ذلك. إخفاء الهويّة من خلال استخدام الصوت فقط، وبلا الإفصاح عن اسم المتحدثة، سواء كانت مقدّمة لبرنامج، أو ضيفة في حلقة ما. هذا يأتي من رغبة الشخص أو حاجته بإخفاء هويّته حماية لشخصه أو لآخرين/ات، سواء كانت حماية لأسباب سياسية أو اجتماعية أو عائلية، هذا مرحّب به ومتوفّر في منصات صوتية (طبعا لا أقصد كل المنصات الصوتية، لكن أحكي عن تجربتنا). وبالتأكيد الحديث عن إخفاء الهويّة هذا لا يسري على أن يتم استغلال إخفاء الهويّة للسيطرة أو فرض أي شكل من أشكال الترهيب أو التهديد أو أذى للآخرين.
الأمر الآخر هو الموارد، في ظل عمل تطوعي وغياب الموارد، يأتي إنتاج المحتوى الصوتي كأقل منصة تحتاج إلى تكاليف، سواء لناحية التخزين، والبثّ، وكذلك إنتاج المحتوى. هذا لا يعني أنها لا تحتاج إلى تكاليف، لكن المسألة اختيارية لجهة عمق الاستثمار أو التعامل مع تفاصيل أساسية لإنتاج المحتوى.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

- يُشكّل "حمّام راديو" امتداداً عميقاً لمشروع "حمّام توكس" ببرلين الذي يرتكز على خلق مساحة لحكايات النساء وقصصهم في بلاد الغربة والمهجر. ما مدى اختلاف هذا المشروع المنظّم داخل مقاهي برلين مع محتوى سمعي اسمه "حمّام راديو"؟
من حيث الأسس التي ارتكز عليها "حمّام توكس"، لم يختلف كثيراً "حمّام راديو". لكن بالطبع من حيث المنصة، اختلف كل شيء. الانتقال من لقاء جسدي شهري مع مجموعة متغيّرة من النساء والضيوف إلى منصة فيها أصوات نسائية (وأقصد بالنساء، أي كل من تعتبر نفسها امرأة، أي كذلك العابرات جنسياً وجندرياً)، فيها أصوات من أماكن عديدة خارج المدينة الواحدة، أي برلين، أو المكان الجغرافي الواحد. مع أنّ برلين كمدينة تعيش فيها ثقافات ولغات عديدة، وبالتالي، ساهم هذا كثيراً بالمضمون والتفاعل في حمّام توكس.
لكن ما وفّره الراديو هو الخروج من الموقع الجغرافي، عبور الحدود السياسية التي فُرضت علينا، قوة الصوت في دقّ أبواب وفتح شبابيك في أماكن وبلاد غير متوقعة ووصوله إلى نساء ومجموعات وفئات متنوعة لربما لم نكن قد نستطيع الوصول إليها لو بقينا نلتقي فقط في مقهى برلينيّ شهرياً. بالطبع، نفتقد اليوم اللقاءات الحقيقية مع الناس، القرب الجسدي،
الأحضان العشوائية بلا قلق أو خوف، لكن في الوقت نفسه، وجدنا في حمّام راديو متسعاً لأحضان كثيرة، حتى لو كانت افتراضية، أحضان كانت كافية لتجعلنا نواصل الإيمان بما نفعله ونقدّمه، سواء كفريق مؤسس أو كل امرأة ساهمت في إنتاج محتوى سمعي عبر حمّام راديو.

- ما الذي جعلكن مهتمات باللغة الإنكليزية بدل لغات مختلفة. ثمّ ألا تُفكّرن في تجاوز هاجس اللغة وترك الأمر مفتوحاً على تعدّد الهويات والأجناس؟
في "حمّام توكس"، أي بنسخة المقهى، اخترنا اللغة الإنكليزية لأنها اللغة المشتركة للجميع لناحية القدرة على التعبير والفهم، خصوصاً في مدينة كبرلين التي تضمّ مهاجرات من العالم، منهن من يعرفن الألمانية (لغة المكان) ومنهن من يعرفن الإنكليزية كلغة عالمية، لذا كان اختيار الإنكليزية بطبيعة الحال.
أما في ما يتعلّق بـ"حمّام راديو"، فلم تكن الإنكليزية هي اللغة الوحيدة أو المركزية، بل كانتا العربية والإنكليزية، مع فتح المجال للغات أخرى إذا رغبت امرأة أو أكثر بإنتاج محتوى بلغتها/ لغتهن؛ كالألمانية أو الفارسية أو الفرنسية. كانت هناك تجارب قليلة في الألمانية والفارسية والإسبانية، لكن الغالبية العظمى للبرامج قُدمت بالعربية والإنكليزية.


- هل تعتقدين أنّ وجود منابر ومجلات عربية داخل بعض المدن الغربية قادر على خلق مساحة من التفاعل؟
لا أرى "حمّام راديو" ومن قبله "حمّام توكس" كمنصتين عربيتين. أي نعم، القائمات عليهما عربيات، وبالتأكيد لهذا تأثير في اختيار المواضيع أو مشاركة التجارب والقصص التي تعنينا وتأتي من بلادنا لأننا نعرفها أكثر من غيرها ولأننا عشناها بحكم الولادة والحياة هناك، مع اختلافها حتى لو كان بسيطاً بين عكّا وبيروت مثلاً. لكن هذا لم يجعلهما منصتين عربيتين. كذلك أردنا دوماً أن تكون مساحات لكل النساء من منطقتنا العربية، على اختلاف الثقافات، كالكرديات مثلاً، وبالتأكيد مساحة للنساء الملوّنات في العالم.
إن التميّز الذي حظي به "حمّام راديو" مقارنة بـ"حمّام توكس"، هو أننا قررنا إنتاج محتوى سمعي/صوتي بالعربي (ما لم نفعله في لقاءات المقهى البرلينيّ)، وهذا بالتأكيد له إيجابيات عديدة، أهمّها برأيي مشاركة قصصنا بلغتنا الأمّ، في وقتٍ تُستغَل أيضاً لغة الأمّ هذه، وما فيها من كلمات، لقمع النساء واستثنائهنّ. وباستخدامها للتعبير عن أنفسنا ومشاركة قصصنا فيها من استعادة الملكية على اللغة والشعور بالانتماء إليها من جديد. كما بالتأكيد تمنح وتتيح الوصول إلى نساء عديدات لا يعرفن إلا العربية بلهجاتها العديدة، وبهذا تكمن نقاط قوة كثيرة.

المساهمون