حلم تونس منذ 1978

23 نوفمبر 2022
منتخب تونس في مونيدال 1978 في الأرجنتين (بشير منوبي/فرانس برس)
+ الخط -

تتعدد مشاركات المنتخب التونسي في كأس العالم لكرة القدم، ولكنها للأمانة لم تكن في مستوى ما ينتظره جمهور تونسي شغوف بالكرة إلى درجة كبيرة، ويمكن القول إنها كانت مخيبة للآمال، خصوصاً إذا قورنت بأول مشاركة تونسية بالمونديال، في الأرجنتين عام 1978.
ولعلّ كلّ المنتخبات التي جاءت بعد ذلك، كانت تلاحق ذلك الحلم الجميل، من دون توفيق إلى حدّ الآن، وتحاول أن تنسج على منوال ذلك المنتخب الذي شارك لأول مرة في كأس العالم، لكنّه ذهب إلى هناك خالياً من أي عقد تجاه تلك المنتخبات القوية، وأبرزها المنتخب الألماني صاحب كأس العالم في 1974.
فازت تونس على المكسيك بثلاثة أهداف مقابل هدف، وخسرت ضد بولندا، وتعادلت مع بطل العالم ألمانيا من دون أهداف في مقابلة تاريخية حرمنا الحكم فيها بكلّ وضوح من ضربة جزاء، كان يمكن أن تقودنا إلى الدور الثاني. وظلت تلك المشاركة معياراً يحاول التونسيون بلوغه من دون توفيق، ولكن من يدري لعل ذلك يتحقق في قطر بعد طول انتظار.
لم يكن ما تحقق صدفة، وكان نتيجة حتمية لسنوات من العمل وثمرة جيل لم يتكرر من عباقرة الكرة في تونس، مثل طارق ذياب وتميم الحزامي ونجيب غميض وحمادي العقربي وعتوقة والنايلي، والمدرب الساحر عبد المجيد الشتالي، الذي عرف كيف ينسج منتخباً متكاملاً من لاعبين محليين من مختلف الفرق التونسية على اختلاف مستوياتها، لكنّه نجح في صناعة منظومة ممتعة وصلبة، لم نتمكن من تكرارها إلى حدّ الآن.
وكنت من المحظوظين جداً بلقائي للشتالي في حوار تلفزيوني منذ قرابة 15 عاماً، لأنه لم يكن يحب الأضواء، وكان يرفض الحوارات الصحافية، ولكن لسبب لا أعرفه قبل الشتالي دعوتي، وتجولنا في مدينة سوسة التي كان يعشقها وكانت تعشقه أيضاً، وكشف لي أسراراً كثيرة عن تلك المشاركة الاستثنائية. لكنّ أكثر ما لفت انتباهي هو رفضه العودة مع المنتخب إلى تونس عبر مطار قرطاج، حيث سيستقبل رسمياً، لأنّه، والكلام له، كان يرفض أن يلاقي كلّ أولئك الذين شككوا فيه وفي المنتخب قبل ذهابهم إلى الأرجنتين، وعاد وحيداً عبر مطار المنستير.
وتحدث الشتالي أيضاً عن قراره باستبعاد الحارس التاريخي للمنتخب الصادق ساسي، الملقب بـ"عتوقة"، واستبداله بالحارس الشاب مختار النايلي، وكانت مغامرة كللت بنجاح باهر، وغيرها من الأسرار التي شغلت التونسيين على مدى سنوات.
كان ذلك المنتخب حلماً لبلد بأكمله، توحد وراءه شعب محب للرياضة، قبل أن تفسدها السياسة والجهويات المقيتة وتصبح رهاناً في قبضة طموحات سياسية صرفة.
كنا صغاراً، وكنا نجازف بكلّ شيء من أجل مشاهدة ذلك المنتخب. لم يكن لدينا مال لدخول ملعب المنتزه، فكنا في غفلة من الحراس على خيولهم، نتسلق الأبواب الحديدية العالية، لنلقي بأنفسنا من الجهة المقابلة. وأجزم أني وبعض أصدقائي نعرف من ذلك الملعب ما لا يعرفه أحد. كلّ ذلك من أجل أن نرى طارق والعقربي وغميض وعقيد وعتوقة، ونشارك في اهتزاز تلك المدرجات مع تسجيل كل هدف. ومع كل خطوة كانت تقربنا من الأرجنتين الحلم، فهل سيتكرر ذلك الحلم لهذه الأجيال؟ ربما يحدث ذلك، فلا يحق لنا أن نلعن المستقبل، أو بالأحرى الحاضر، الذي تحتضنه قطر لتتحدى هي أيضا مناوئيها. وسيبقى هذا المونديال رسالة قوية من قلب الشرق إلى بعض الغرب المتعالي، الذي لم ينجح في كتم غيظه تجاهنا، لكنّ قطر سترفع السقف عاليا أمام النسخات القادمة من كأس العالم.

المساهمون