- رغم تحديات تجارة اللؤلؤ وظهور اللؤلؤ الصناعي، أعاد الفردان الاعتبار للؤلؤ الطبيعي بجمعه لأندر القطع، مفضلاً القيمة المعنوية والجمالية على الاقتصادية.
- اهتمام الفردان يشمل لآلئ من جميع أنحاء العالم، مع التركيز على لؤلؤ الخليج، معتمدًا على مختبرات عالمية للتأكد من أصالة مجموعته.
لم يعد الاهتمام باللؤلؤ عند حسين الفردان انشغالاً مهنياً أو ممارسة لتجارة رابحة أو امتداداً لتاريخ عائلي عريق بهذا المجال، بل غدا عنده عشقاً وشغفاً ملأ عليه حياته، إلى حد تفرغه نهائياً لهذا الحبّ، فقرر قبل عشر سنوات فتح متحف خاص جمع فيه مقتنياته الخاصة من نوادر اللآلئ في العالم، باسم "غاليري الطواش" في برج الفردان في قلب العاصمة القطرية الدوحة.
قصة الفردان مع اللؤلؤ بدأت مع تفتحه على الحياة، فقد ولد عام 1933 لأسرة معروفة في مجال تجارة اللؤلؤ وكان والده إبراهيم الفردان من أشهر تجار اللؤلؤ في الخليج العربي، وقد استطاع حسين الفردان إحياء أعمال العائلة في تجارة اللؤلؤ وحقق نجاحاً كبيراً ليس تجارياً وحسب وإنّما عبر جمع اللؤلؤ الطبيعي المميز لمدة خمسة وستين عاماً، ومتعته الكبرى الآن هي النظر لهذه المجموعة والشرح لزوّاره عن كلّ قطعة.
لمجموعة الفردان من اللؤلؤ قيمة معنوية كبيرة، لكنّها أيضاً تشكل ثروة كبيرة، غير أن حسين الفردان لا يهتم بهذا الأمر إذ يقول: "لا تحسبها اقتصادياً، ما أنفقته على هذه المجموعة كبير جداً، ورغم أن بيع قطعة واحدة يعوضني عن كلّ الخسائر ويحقق ربحاً كبيراً، فإنّ ذلك يسبب لي حزناً عميقاً".
يعتبر الفردان اللؤلؤ أعظم الأحجار الكريمة على الإطلاق، يقول: "أتحدث مع اللؤلؤ عندما أكون وحدي، اللؤلو حساس، أنظر الى بريقه، اللؤلو موجود، لكن ليس هناك من يعرف قيمته، اللؤلؤ الطبيعي سيبقى ولا بديل له مهما حاولوا".
هنا نص الحوار مع حسين الفردان:
*أهلاً بك أستاذ حسين الفردان وكلّ عام وأنتم بخير بمناسبة العيد الوطني لدولة قطر، وشكراً لإتاحة الفرصة لـ"العربي الجديد" أن تتجول في "غاليري الطواش"؟
شكراً لكم.. وأنتم بألف خير. أنا سعيد بهذا اللقاء، خصوصا أنني من متابعي صحيفة العربي الجديد والتلفزيون العربي بقناتيه الأولى والثانية. وهذه الوسائل الإعلامية أضافت الكثير لبلدنا قطر.
*نحن الآن في "غاليري الطواش"، هل يمثّل تجديدا لمهنة الطواش الذي كان يعمل فقط على صندوق وربما بمحل صغير؟
الطواش مصطلح شعبي خليجي يطلق على تاجر اللؤلؤ الذي يقوم بالتنقل والسفر والتطواف على سفن الغوص حيث مواقع الصيد، أو بين النواخذة (مفردها نوخذة وتعني قبطان)، بحثا عن اللؤلؤ لاقتناء ما ينتقيه منه.
هذا العمل يتطلب مهارة ومعرفة بأوزان اللؤلؤ وأسعاره وحساباته، وبعض الطوّاشين ولا سيما الكبار منهم يملكون محملاً أو أكثر للغوص، أو يموّلون سفينة أو أكثر للغوص، والأدنى مرتبة منهم يطلق عليهم "شراي" و"بياع" يبيعون ويشترون من "النواخذة" أي ربابنة سفن الغوص والمسؤولين عنها، وهؤلاء يكتفون بأرباح بسيطة تصل أحياناً إلى "تكتين" أي 2%. أما الطواش الكبير فيجمع "رقم" أي (تبابة) وهي مجموعة لآلئ مختلفة الأنواع والأشكال ومتباينة في الجودة، ثم يبدأ بفرز كل صنف على حدة، وغالباً ما يتم بيعه للطواشين الأكبر الذين يصدرونه إلى الخارج.
*والدك المرحوم حسين كان طواشاً كبيراً؟
الوالد كان طواشاً وجوهرجياً وعميلاً، والمفردة الأخيرة تعني أنه يستطيع تحديد إن كانت هناك لؤلؤة مغطاة في المجاهيل، والمجاهيل تعني اللؤلؤ الذي لا تراه مباشرة بعد فتح وتقشير الصدفة، وهذا يتطلب مهارة كي لا تخدش اللؤلؤة. كان والدي الخبير الأول وكان يطلق عليه جراح اللؤلؤ. كان مشهوراً في الخليج كله.
*هل تعتبر نفسك عميد الطواشين أو شيخهم؟
أنا طواش، لا أرى نفسي عميداً ولا شيخا، فقط طواش وبالوراثة والجينات. منذ فتحت عيني على الحياة وأنا طواش كما كان أبي وأعمامي وأجدادي.
*متى تعاملت أول مرة مع اللؤلؤ؟
منذ وعيت على الدنيا كنت أرى والدي وشركاءه يتجمعون في بيتنا، بخاصة بعد "القفال" أي بعد عودة سفن الغوص من الدشة (الصيد الكبير) الذي يمتد أربعة شهور، يفردون تبابة اللؤلؤ (الحصيلة) ويفرزون منها الجيون (أغلى اللآلئ ذات اللون الصافي والمستديرة) واليكة (تشبه الجيون) وتأتي بالمرتبة الثانية، والكولوة (بدرجة صفاء أقل) وهكذا.
يحصل ذلك على أرضية المجلس، وكان تجار اللؤلؤ الهنود يأتون إلى منزلنا، وعندما ينتهون، تبقى ذرات من اللؤلؤ (سحتتيت) على الأرض فنجمعها ونعطيها للوالد ليمنحنا روبية. عندما كبرت قليلاً سافرت مع الوالد في بعض المرات لشراء اللؤلؤ أو بيعه... عشت حياتي كلها مع اللؤلؤ.
*متى عقدت أول صفقة وحدك؟
تعرضت تجارة اللؤلؤ للانهيار وأفلس تجاره أكثر من مرة. كانت فترة صعبة فكل اقتصاد الخليج كان يعتمد على تجارة اللؤلؤ. وكان أحد أسباب الانهيار هو توصل الياباني ميكيموتو كويتشي لزراعة اللؤلؤ، لكن ذلك لم يوقف تجارة اللؤلؤ الطبيعي نهائيا لأنّ مهراجا الهند لم يتقبلوا اللؤلؤ الصناعي. وفي الحرب العالمية الأولى توقفت تجارة اللؤلؤ لأنّ سوقه التجارية الكبرى كانت في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وقتلت سوق اللؤلؤ الخليجي نهائياً. وعندما استقلت الهند عام 1947، منعت استيراد كلّ الكماليات ومنها اللؤلؤ.
اللؤلو جي 1 وهو أعلى أصناف اللؤلؤ الذي وصل الشو منه (وزن للؤلؤ) إلى 5000 روبية خليجية و3000 دولار في الولايات المتحدة وصل في السوق الى 25 روبية أي حوالى 30 دولاراً وليس هناك من يشتريه.
عملت حينها في أول بنك بريطاني افتتح في الدوحة وتعلمت فيه الكثير. كان مدرستي التي تعلمت فيها الاقتصاد والتسويق، وترقيت فيه من موظف صغير الى مدير التسويق. خلال هذه المرحلة وتحديداً عام 1954 فتحت محلاً لبيع الذهب والمجوهرات وبدأت أنا وأخي حسن بشراء اللؤلؤ من البحرين والهند. حينها أخذت سوق اللؤلؤ تنتعش حيث كان الشيوخ والميسورون يشترونه هدايا, فوسعنا تجارة اللؤلؤ وأصبحنا خبراء بهذا المجال وصرت أنا طواشاً.
*ترى أنك أعدت الاعتبار للؤلؤ؟
نعم وأفتخر بذلك، نفذت انقلاباً في سوق اللؤلؤ ليس على صعيد الخليج فقط، بل على صعيد العالم، كان اللؤلؤ غير مصنف عالمياً، اليوم تغير الوضع، عندما أزور معارض أوروبا يركض المهتمون ورائي ليبيعوا لي أو يشتروا مني. أمضيت حوالى 65 عاماً من حياتي أجمع ما ندر من اللؤلؤ، عندي أعظم مجموعة منها في العالم، جمعت آلاف الدانات (نوع من أنواع اللؤلؤ وحيد العقد). بعض القطع احتجت خمسين عاماً كي أكملها، كهذا الحلق الذي تراه أمامك. بعض القطع تنتظر استكمالها منذ أعوام طويلة ولم أجدها حتى الآن. عندي مثلاً أكبر لؤلؤة من نوعها مستديرة على مستوى العالم. كان الكثير من الشيوخ والمهتمين والشركات العالمية من الغرب والشرق يأتون إليّ لشراء بعض نوادر القطع.
*أنت تعمل باللؤلؤ الطبيعي؟
أنا أجمع اللؤلو الطبيعي، لكنّ مجموعتنا تبيع الصناعي الذي له من يرغبه، بخاصة أنّي أرى منه أحياناً ما أتمنى لو كان طبيعياً.
*هل كلّ مجموعتك من لؤلؤ الخليج؟
لا، من كل أنحاء العالم، رغم أنّ اللؤلؤ واحد في كلّ العالم، فإنّ ما يميز لؤلؤ الخليج هو بريقه ولونه الخاص.
*هل فكرتم بالعودة إلى والبحث عن اللؤلؤ في قطر؟
تكلفة الغوص الآن مرتفعة جداً ولا تحقق فائدة اقتصادية، هناك أشخاص في قطر يقومون بذلك، لكن كهواية. مدة الغوص طويلة، أربعة أشهر، وكانوا سابقاً لا يملكون أعمالاً سوى صيد اللؤلؤ وكانت تكلفة تجهيز المحامل بسيطة، تمرا وماء وقهوة وأسماكا يصيدونها من البحر، كان الغيص (الغواص) يبدأ النزول للبحر منذ الفجر، وقبل النزول يتناول تمرتين وفنجان قهوة وجرعة ماء، وبعد الظهر تمرتين وقهوة وجرعة ماء، وبعد انتهاء يوم الغوص يكون العشاء أرزاً محمراً معجونا بالتمر مع صيدهم من السمك، وإذا كانت السماء مقمرة يغني النهام (مغنٍّ) الفجري الشعبي. ينامون بعد تعب فوق المحار المليء بالحشرات مع الرطوبة والحرارة. وعندما يستيقظون يفلقون المحار ويرمون الصدف في البحر لأنهم كانوا يعتقدون أنّك عندما ترمي المحار في المكان الذي استخرجته منه يكون سماداً لذلك المكان، وقد يتكاثر مرة أخرى.
*هل تستطيع التمييز بين اللؤلؤ الطبيعي والصناعي؟
نعم أستطيع لكنّي أفضل المختبر، كلّ مجموعتي فحصتها في مختبرات عالمية.