في سوق واقف الشعبي في الدوحة، تنتشر أعلام دول وقمصان لاعبي كرة قدم وأوشحة وقبعات، في متاجر يأمل أصحابها أن تصبح مقصداً لمئات آلاف مشجعي المونديال القادمين الى قطر التي تترقّب انتعاشاً في دورتها الاقتصادية وقطاعها السياحي.
وسط حوض ترابي في السوق، يساعد عاملان ارتديا الثوب الأبيض التقليدي زبونين في ركوب جملَين يقومان بجولة في الموقع، لكن يمكن للزبائن المهتمين أن يقوموا بجولة أكبر خارج أزقة السوق الضيقة تُعرف بـ"مركوبة الهجن"، في منطقة قريبة من الديوان الأميري.
ويتوقّع رئيس وحدة إسطبلات السوق عبد الرحمن محمد النعمة، "ازدحامًا هائلًا في الفترة المقبلة سيحصل للمرة الأولى في قطر"، معتبرًا أن الزوار "سيكونون مهتمين بركوب الجمال والأحصنة التي تُعتبر من التراث في البلاد".
ويؤكّد "إن شاء الله، نحن مستعدون"، ويضيف "أعتقد أن سيّاحًا كثيرين سيكون لديهم شغف برؤية الجمال، لأنها ليست موجودة في الدول الأوروبية ودول شرق آسيا، وسيلتقطون صورًا معها".
بعدما دمّر حريق هائل عام 2003 أجزاءً كبيرة منه، رُمّم سوق واقف الذي يعود تاريخه إلى أكثر من مئة سنة وهو من الأماكن التراثية الأكثر شهرةً في قطر. ويُقال إن الباعة آنذاك كانوا يقفون عند مداخله لبيع بضائعهم، ما يفسّر التسمية.
خلال المونديال الذي ينطلق في 20 تشرين الثاني/نوفمبر ويستمر شهرا، سيفتح سوق واقف على مدى 24 ساعة سبعة أيام في الأسبوع.
في الأزقة المخصصة للمشاة، يسير الزوّار بين مبان منخفضة العلو وسط سلسلة قناطر تزيّنها نوافذ وعوارض خشبية.
وتقول ياسمين غانم (28 عامًا)، وهي لاعبة في المنتخب القطري للغولف كانت تجلس في أحد مقاهي السوق، إنّ المشجّعين "سيستمتعون كثيرًا، ستكون تجربة رائعة، مزيجًا من الثقافة العربية وكرة القدم".
ازدهار الدوحة
في عطلة نهاية الأسبوع، يعج السوق بالزوّار من كلّ الأعمار، بينهم أطفال يشترون بالونات من باعة متجوّلين وعائلات تتجول في قطار ملوّن صغير، فيما تقف مجموعة أشخاص أمام بائع بوظة تركية تشاهد عرضه البهلوانيّ.
ويُتوقّع أن يعطي العرس الكروي دفعًا للقطاع السياحيّ في البلاد التي تترقّب تدفّق أكثر من مليون زائر خلال المونديال بين 20 تشرين الثاني/نوفمبر و18 كانون الأول/ديسمبر.
ويقول هاني الكريدي، وهو مرشد سياحي مصري كان يحتسي الشاي في أحد المقاهي، "أدرس كثيرًا حاليًا لأتمكّن من أن أكون سفيرًا لقطر وأن أعطي المعلومات للزائرين، كي أعرّفهم بتاريخ قطر ومزاراتها".
تُباع في السوق تحف وحرف يدوية وأقمشة وسجّاد وأثاث وزخارف ومجوهرات وآلات موسيقية... وتتحضّر متاجر التذكارات خصوصًا لإقبال كبير، فتعرض فوانيس وتماثيل صغيرة لجِمال ملوّنة وصحونًا حُفرت عليها ناطحات سحاب الدوحة.
مع حلول الليل، تضيء سماء السوق مئذنة مسجد مركز عبد الله بن زيد المحمود الثقافي الإسلامي (الفنار) التي تتمّيز بتصميم حلزونيّ فريد ويمكن رؤيتها من مسافة بعيدة. ويختلف المشهد صباحًا حين ينهمك عمّال في تنظيف الشوارع الخالية من المارّة.
في سوق الحمام والعصافير، ترتفع الزقزقة والصياح، بينما تُعرض على طاولة مرتفعة مسيّجة بحواجز خشبية أقفاصٌ فيها طيور منوّعة.
يهيمن الرجال على المشهد، معظمهم يرتدي الزيّ التقليدي، يحتسون القهوة أثناء تبادلهم أطراف الحديث.
عند السابعة صباحًا من يوم الجمعة، يبدأ مزاد على الطيور يديره رجل ملتحٍ يرتدي عباءة بيضاء، قائلًا "حمام كوكتيل ثماني حبات على كم؟ على 40 ريالًا... على 50 ريالًا... على 60؟، ثماني حبات على 65 ريالًا".
ويقول محمد بن ناصر (75 عامًا)، وهو مسعف قطري متقاعد، كان يشاهد المزاد كما يفعل كل أسبوع بعد صلاة الفجر "إن شاء الله ستزدهر الدوحة بمجيء الأجانب وستتحرك الأعمال".
أموال طائلة
وتتوقّع قطر أن تصل عائدات الحدث العالمي إلى 17 مليار دولار. وقد أنفقت الدولة الغنية بالغاز عشرات مليارات الدولارات على البنى التحتية في السنوات الأخيرة، وهي تسعى لجذب ستة ملايين سائح سنويًا اعتبارًا من عام 2030، وفق استراتيجية قطر للسياحة 2030.
وتقول الأستاذة في جامعة حمد بن خليفة في قطر كاميلا سوارت-أريس إنّ المونديال "ينشئ أساسًا متينًا للحكومة في استراتيجيتها لجذب المزيد من الزوّار بحلول عام 2030".
وتضيف الخبيرة في السياحة الرياضية: "يمكن لقطر بالتأكيد أن تغتنم هذه الفرصة لتتموضع كوجهة سياحية صديقة للعائلات".
قبل أسابيع قليلة من صافرة الانطلاق، رُفعت أعلام المنتخبات المتأهّلة في وسط الدوحة وأُلصقت صور ضخمة للاعبين عالميين على واجهات ناطحات السحاب.
مقارنة بما تكون عليه الأجواء عادة في دول أخرى استضافت بطولة كأس العالم، قد تبدو الأجواء أقل حماسة في قطر، نظرا إلى أن البلد ليس له تاريخ طويل في كرة القدم. لكن هذا لا يمنع أن الجميع ينتظر بفارغ الصبر صافرة الانطلاق.
على الكورنيش البحري حيث تمّ تثبيت ساعة العدّ التنازلي للحدث، يتقاطر مشجّعون مقيمون في البلاد وأغلبيّتهم العظمى أجانب من بنغلادش والهند ودول آسيا الشرقية وأفريقيا، لالتقاط صور.
ويقول أنور ساداث (56 عامًا)، وهو هندي مقيم في قطر ومشجّع للمنتخب الأرجنتيني، باللغة الإسبانية، "هيّا يا أرجنتين". ويضيف بالإنكليزية "أنا معجب بميسي، لدي تذكرة لأشاهد مباراة واحدة، هي مباراة الأرجنتين ضد السعودية".
ويؤكد بول غرين (57 عامًا)، وهو أميركي انتقل للعيش في قطر منذ أشهر، أنه يفضل كرة القدم الأميركية، لكنه "سعيد حقًا بمشاهدة بعض المباريات على الأقلّ... أظنّ أنه من الجيّد مشاهدتها في جزء مختلف من العالم".
(فرانس برس)