ما زال الجدل قائماً حول الهوية السوداء في العالم العربي. وما هي المصطلحات التي يجب أن نتداولها للإشارة إلى لون البشرة السوداء، من دون أن يكون في ذلك علامات على التحقير أو استحضار تاريخ العبوديّة، خصوصاً أن الصراع الهوياتي الحالي في العالم يصل إلى العالم العربي، سواء عبر المنتجات الثقافية أو الأخبار الجدّية.
فالكلمة الإنكليزية التي يشار لها عادة باسم "كلمة حرف النون" التي تعني صراحة "زنجي" the N-Word، لا معادل لها بالعربيّة، بل نحتار، هل يمكن لنا أن نستخدمها؟ أم أنَّ الأمر ممنوع كحالة المنع الممارس على البيض في أوروبا وأميركا؟ نطرح هذه التساؤلات لأن كلمة النون التي لن نذكرها لنشير إلى إشكاليتها تتحرك بين الظهور والاختفاء، والسياق هو ما يتحكم بذلك.
وهنا سنستفيد من مثالين، الأول هو افتتاحية في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية التي تناقش ظهور هذه الكلمة على ألسنة رجال الشرطة الأربعة الذين انهالوا ضرباً على المنتج الموسيقي، ميشيل زيكلر.
إذ تشير الافتتاحية إلى أصل الكلمة البرتغالي الذي كان مستخدماً من قبل تجار العبيد، وكيف تحول استخدامها لدى ملاك العبيد إلى حين إلغاء العبودية، وظهورها اليوم على لسان شرطي يضرب مواطناً، ما يعني استعادة لذاك التاريخ الاستعماري القائم على العبوديّة.
لفظ الكلمة في السياق السابق مفهوم، أي نعلم لم يجب عدم استخدامها لما تحمله من دلالات، فمجرد لفظها يحمل تحقيراً، ناهيك إن كانت تلفظ على لسان شرطي أبيض يضرب مواطناً أسود.
الموضوع أكثر جدلية في الولايات المتحدة، ففي برنامجها الجديد الذي يبث على شبكة "أبل +"، تطل علينا أوبرا وينفري في الحلقتين الأولى والثانية في لقاء مع إيمانويل أكو تحت عنوان "أحاديث غير مريحة مع رجل أسود"، ليجيبوا عن أسئلة "البيض" بخصوص العنصرية، وأحد هذه الأسئلة يرتبط باستخدام الكلمة التي تبدأ بالنون.
نرى أنفسنا أمام رأيين مختلفين حين نشاهد الحلقة، فأكو الذي ينتمي إلى زمننا هذا، يشرح الأصل العنصري للكلمة، وكيف قام السود بامتلاكها وتخفيفها وتحويلها إلى لفظة للتحبب عبر حذف الحرف الأخير منها، ما يبيح استخدامها بين داكني البشرة، لكن وينفري، ترفض قطعياً اللفظين وترى أنهما مهينان، سواء في سياق الجد أو المزاح.
ذكرنا سياقات الجد والمزاح، لأن السؤال الموجه بخصوص هذه الكلمة كان من امرأة تقول إن ابنها الصغير يردد أغنية يحبها. ويردد هذه الكلمة التي تظهر في الأغنية، ولا تعلم إن كان عليها منعه من ذلك، أم أنه سيوصف بالعنصري.
أكو يقول أن لا مشكلة في ذلك أثناء ترديد الأغنية بشرط شرح معناها وتاريخها بدقة للطفل، خصوصاً أنها تظهر ضمن الكثير من الأغنيات. نحن هنا أمام لفظ إشكالي، يختزن تاريخاً قمعياً، وصراعا بين لفظه أو عدم لفظه أو تداوله، فالأمر يتجاوز أحداث القمع، نحو التاريخ، فهل الروايات التي تحوي هذه الكلمة ممنوعة؟ أم نستبدلها بكلمة أخرى؟
لا نحاول هنا أن نستخدم حجة حرية التعبير، لكن في سياق آخر، تاريخ العبودية في العالم العربي ودور العرب التاريخي في تسهيلها يتم تجاهله، أو لم يتعرض لأبحاث كافية تحدد ما هي الكلمات المشابهة.
نقول ذلك لأن البعض يرى أن استخدامها من "قبلنا" لا مشكلة فيه، لأن لا علاقة "لنا" بتاريخ العبودية الأوروبي والأميركي، أي صحيح أننا نتفهم دلالاتها، لكنها لا تمتلك ذات الوقع، بالتالي لا حرج في استخدامها.
في سياق آخر، يرى البعض أن مجرد استخدام تعبير "الكلمة ذات النون" هو استحضار للكلمة، بل وكأنها لفظت، والأمر ليس إلا حذلقة لغوية يحاول عبرها البيض تناسي هذا اللفظ وتحويله إلى تابو مع الحفاظ على تاريخ، وذلك لتجاهل آثار العبوديّة التي ما زالت مستمرة حتى الآن.