الغرافيتي توثق البطولة على جدران المدن

26 نوفمبر 2022
في إحدى محطات المترو في الدوحة (روبي جاي بارات/Getty)
+ الخط -

تثير حمى كأس العالم لكرة القدم الكثير من وجهات النظر، بما في ذلك التعبير بالألوان على الجدران، أي فن الغرافيتي الذي أصبح تقليدًا يلازم كل بطولة كأس عالم. وفي البطولة التي تستضيفها قطر، شكل الغرافيتي مضموناً للاحتفاء بالحدث العالمي المقام كل أربع سنوات.

يمثل فن الغرافيتي، في أساسه، نوعاً من البيان السياسي الذي يتحدث عبر الجدران. ولم تخل بعض بطولات كأس العالم من ذلك. ففي بلد مثل البرازيل، جسدت رسوم الغرافيتي المتزامنة مع مونديال 2014، فضاء لونياً من الجدل الشعبي، حول تنظيم البطولة. ومع أن كرة القدم تمثل للبرازيل ديناً، فقد اجتاحت مدنها احتجاجات، بنزول قرابة مليون مواطن، يطالبون بإلغاء كأس العالم 2014. كما أن الجدران شهدت بدورها احتجاجات فنية رافقت البطولة، لافتةً إلى مشاكل مثل الفقر والظلم الاجتماعي. في المقابل، رأى 34% من المواطنين أن البطولة ستساهم في خلق فرص عمل، وتساعد الاقتصاد.
هكذا، عبر بعض فناني الشوارع برسومات في ريو دي جانيرو وسان باولو، حول مضامين مثل الفقر والفساد والجريمة.

تعود واحدة من أقوى الجداريات، التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، إلى فنان الشوارع باولو إيتو. وصور فيها فتى برازيلياً يبكي جائعا على مائدة. وبدلاً من الطعام، تقدم له كرة على طبق ذهبي. ولم يخف صاحب الجدارية المغزى من ذلك، بوصفها طريقة جديدة لفضح مشاكل البلاد، في حديث مع صحيفة ذا غارديان آنذاك.

لا تختلف جدارية أخرى في دلالتها عن ذلك، إذ يظهر طفل مستريحاً برأسه على أكبر كأس عالم، وإلى جانبه فنجان وطبق فارغان. بينما تظهر جدارية أخرى، صاحبها مجهول، مخططاً طباشيرياً لضحية قتل أمام عمود مرمى معدني. ودلالة الجدارية ليست خفية على أحد.

في ريو دي جانيرو (فريديريك سلطان/Getty)

وإن كانت حقا تلك الرسوم تظهر جانباً من معاناة البرازيل، فهي تخفي سحر كرة القدم البرازيلية، إذ إن الغالبية العظمى من نجوم الكرة البرازيلية انبعثوا من ركام تلك المشاكل، بمن فيهم أساطير البرازيل الذين أمتعوا العالم بمهارات الرقص الكروي، من بيليه وغارنيشيا، مروراً بزيكو وروماريو، إلى رونالدو ورونالدينيو. فكرة القدم أيضاً تحمل الجانب الإنساني الملهم في البرازيل، كونها شكلت إنقاذاً لآلاف من البرازيليين خرجوا من العالم السفلي.

على أن الجداريات المرافقة لمونديال البرازيل، لم تقتصر على الاحتجاج. فهناك رسوم أبرزت الجانب المضيء للبطولة العالمية، وما تضفيه على بلد عاشق للكرة حد العبادة. تصوّر إحدى الجداريات جانباً من المساواة قلما نعثر عليه خارج كرة القدم. وتظهر اللوحة عالمين متفاوتين، إذ نرى مراهقين برازيليين وسط الأحياء الفقيرة، وعالم كرة القدم المضيء المجاور له، إضافة إلى تجسيد لعدم المساواة بين فتى يحمل أسلحة ثقيلة في يده، ويحدق بإعجاب للملعب تحت سماء زرقاء، بينما بجانبه فتاة باكية. لكنهما معا يدعمان فريقهما بارتداء قمصان أبطالهما في المنتخب. وعلى نفس المنحى، صورت الفنانة البرازيلية، باربا، لوحة جدارية، في ريو دي جانيرو، تجسد الزخم لمونديال البرازيل وبهائه. وتصور امرأة تنحو الى الأمام. وهناك خلفية ملونة يبرز على جزء منها قمصان، أحدها لنيمار برقم 10، والآخر لجوليو سيزار رقمه 12.

في ساو باولو (ماريو تاما/Getty)

تعبر تلك الجداريات عن واقعين متعارضين صاحبا إقامة البطولة في البرازيل. ولا ندري ما إن كان الرفض في جانب منه، تشاؤماً مسبقاً بتكرار ما حدث في الماركانا عام 1950، حين خسرت البرازيل كأس العالم على أرضها. غير أن تلك الجدلية في بلد ما زال يقدس كرة القدم، لم تشهده البلدان الأخرى، بنفس الزخم. شكل تنظيم بطولة بهذا البريق العالمي نوعاً من الشرف والإنجاز. وهو ما يحصل في كأس العالم الذي تنظمه قطر، كونه حدثاً غير مسبوق في تاريخ المنطقة العربية والشرق الأوسط.
حتى بالنسبة لجنوب أفريقيا، كان ذلك بمثابة تكريم لقارة بأكملها.

مع هذا، يثير فن الغرافيتي في جنوب أفريقيا تاريخاً من الجدل، حضرت فيه السياسة. وبوصفه فناً عاماً، أخذ عدة أشكال من التعبير هناك، كان للسياسة حضور لافت. وفي زمن الفصل العنصري، حضر فن الرسم على الجدران كوسيلة رفض داعية إلى التغيير الاجتماعي. لكنه أيضاً أخذ مسحة تخريبية تنطوي على التدهور الحضري والجريمة. وعلى سبيل المثل، أدى انتشار الغرافيتي في كيب تاون إلى رد فعل قوي من السلطات. فالحرية اللامحدودة للرسم على الجدران تعرضت لسوء استخدام من الناس الذين يضعون علامات لمجرد ترك بصمتهم.

في كيب تاون عام 2013 (ميشيلي رو/Getty)

وعندما استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم في 2010، أصدر مجلس مدينة كيب تاون قانوناً يجرم الكتابة على الجدران مع عواقب وخيمة، مثل الحبس وغرامة، إضافة إلى إزالة الكتابة كيميائيا عن جدران المدينة. وأصبح أي فنان يرغب بالرسم على جدران المدينة يحصل على إذن يسمح له بذلك.

تشتهر جنوب أفريقيا بكونها موقعاً سياحياً عالمياً لفن الكتابة على الجدران، إذ يأتيها فنانون من جميع أنحاء العالم لترك بصمتهم على جدرانها. وكان لمونديال 2010 نصيب من إضفاء طابع غرافيتي على البطولة. ولعل بعض تلك الرسوم مدهشة، فحضور كرة القدم يجاوره تصاوير مدهشة.

وقبل بدء مونديال 2010، في 12 مايو/أيار، عُرضت 32 لوحة جدارية بعدد المنتخبات المشاركة، في كيب تاون، بحضور مجتمع كرة القدم العالمي ممثلاً بـ"فيفا". وظهرت تلك اللوحات الجدارية في الحملات الإعلانية للترويج للبطولة.

في كالينينغراد الروسية عام 2018 (أوزان كوسي/فرانس برس)

وفي مونديال روسيا، لم يكن فن الغرافيتي ذا فضاء جدلي، إذ إنه فن لم يلتصق بأي تعبير سياسي، في بلد لا يسمح بأي حريات سياسية. على أن الجداريات حضرت كتقليد للاحتفال ببطولة كأس العالم. رسم الفنان الروسي سيرجي إروفيف لوحة ضخمة لقائد الأرجنتين ليونيل ميسي، احتلت جدار مبنى مكون من خمسة طوابق، في بلدة برونيتسي الروسية الجذابة، خارج موسكو. لم يخف الفنان الروسي رغبته في أن يرى ميسي جداريته، حيث كان يتمرن مع منتخب بلاده في المدينة. واستضافت حديقة سوكولنيكي في موسكو، جداريات للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، والروسي ألكسندر كوروكين، والإسباني إيسكو. بينما اجتمع عدد من الفنانين الروس لصنع جدارية من الفسيفساء للأرجنتيني ميسي والنجم المصري محمد صلاح.

أما الفنان براندان المقيم في نيو أورلينز، رسم لوحة بمساحة ألف قدم مربعة للنجم البرازيلي نيمار. لكن جداريته الأكثر جاذبية تلك التي تخص النجم الفرنسي، بول بوغبا، بتصوير تسريحة شعره بشكل لافت. بوغبا من أبرز نجوم الكرة الذين غيبتهم الإصابة عن المشاركة في قطر. سبق وصرح ذات مرة: "كرة القدم والفن، أعتقد أنهما الشيء نفسه".

المساهمون