العربي الجديد... عشر سنوات في عالم متغيّر

02 سبتمبر 2024
الدمار في مكتب "العربي الجديد" في بيروت بعد انفجار المرفأ، 4 أغسطس 2020 (حسين بيضون)
+ الخط -

في عددها الأول الصادر قبل عشر سنوات، وعدت هيئة تحرير "العربي الجديد" قرّاءها، بالفحص الذاتي المستمر، والمثابرة على المهنية، والإصرار على الجودة. اليوم، ونحن نحتفي بمرور عشر سنوات على انطلاق صحيفتنا، في زمن شهد اندثار الصحافة المكتوبة والمطبوعة وإغلاق كبرى الصحف وأعرقها أبوابها، نستعيد هذه الأعوام من ناحية مراجعة الذات، وبقليل من الاحتفاء بصمودنا في ظل عالم شديد التغيّر والنفور تجاه كل ما هو مقروء، طامحين إلى تحقيق إنجازات رسمناها.

فلسطين منذ عدد "العربي الجديد" الأوّل

لعلّ الكتابة عن السنوات السابقة، تبدو مهمة صعبة، تحت وطأة حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، ففي العام الأخير، خفتت كل الأحداث على ضخامتها وخطورتها، لتحتلّ فلسطين صفحاتنا الأولى وتغطيتنا اليومية وتحليلاتنا، مع موقف واضح منذ اليوم الأول لهذه المجزرة المفتوحة: نحن مع حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. وهو حق ندافع عنه من دون الغرق في الشعارات وبيع الأوهام، بل بالتصاق كامل بالواقع، بكل مأساويته. وقد دفعت الصحيفة ثمناً باهظاً لهذه التغطية وهذا الموقف، ولعلّ أبرز تجلياته كان اعتقال الاحتلال مدير مكتبنا في القطاع ضياء الكحلوت من بيت لاهيا شمالي غزّة، في ديسمبر/ كانون الأول، لمدة تجاوزت شهراً، تعرّض خلالها لتعذيب وحشي، وتحقيق مضنٍ ركّز تركيزاً أساسيّاً على عمله الصحافي.
لكن القضية الفلسطينية لم تكن يوماً شأناً مستجداً على تغطية "العربي الجديد"، فمنذ العدد الأول، كانت فلسطين واحدة من أولويات الصحيفة وفريقها التحريري بمختلف أقسامه، ورافقتنا غزة تحديداً منذ البداية، حين نشرنا تقريراً لفريقنا عن الحروب التي خاضها الاحتلال ضد الفلسطينيين في ذلك القطاع. وطيلة السنوات اللاحقة تابعنا الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع منذ عام 2014، وغطينا اعتداءات المستوطنين، وأحوال الأسرى، والأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، والتقلبات التي عرفتها الساحة الثقافية والفنية بنجاحاتها وإخفاقاتها، وقضايا النساء الفلسطينيات، وتحديات قطاع التعليم، وغيرها من الملفات التي رافقت أعدادنا يومياً. وها نحن على أعتاب عامنا الحادي عشر، وفلسطين تعيش أسوأ أيامها منذ النكبة، نكرّر مطالبتنا بوقف الإبادة، ووقف قتل أهلنا في غزة وفي الضفة الغربية.

 الثورات والانقلابات وهمّ الديمقراطية

جاء صدور العدد الأول من "العربي الجديد" في واحدة من أكثر فترات العالم العربي اضطراباً وغموضاً. في تلك الفترة، أي عام 2014، كانت الثورات المضادة تكمل انقلابها على حلم الديمقراطية والحرية الذي رافق ثورات الربيع العربي عام 2011، سواء في مصر أو سورية أو غيرهما من الدول العربية التي انتفض شبابها في الساحات والميادين. ورغم انحيازنا التام إلى خيارات الحرية والديمقراطية في العالم العربي، لم نقع في فخّ الإسفاف ولا التحريض على أي فصيل أو حزب أو طائفة، في وقت كان فيه الإعلام العربي بمختلف خياراته غارقاً في خطابٍ تقسيمي مرعب. وفتحت الصحيفة صفحاتها لآراء مختلفة، جرّت عليها انتقادات من هذا الطرف وذاك، لكنها لم تتراجع إيماناً بمبدأ حرية التعبير. لكنّ هذا الموقف الواضح، ولّد ردود فعل مختلفة ليس أقلها حجب موقعنا في أكثر من دولة عربية، ومنع توزيع الصحيفة في دول أخرى، أو حتى توقيف مراسلينا واعتقالهم. 

الحريات وقضايا أخرى

لأنّ الديمقراطية والحرية السياسية، لا تستقيمان إلا مع احترام حرية التعبير والحريات الشخصية، خاضت "العربي الجديد" معارك، لم تكن سهلة في المجتمعات العربية عموماً، فتطرقت إلى قضايا اجتماعية عدة، منها العنف ضد النساء، وتزويج القاصرات، وحق الحضانة للنساء، ناقلة قصصاً وشهادات من مجتمعات عربية مختلفة، واضعة الكرامة الإنسانية فوق اعتبارات كثيرة. وهو الموقف الذي انسحب على ملفات مختلفة بينها العمالة الأجنبية، وحقوق العاملات المنزليات، ورفض العنصرية عندما بلغت أوجها ضد اللاجئين سواء في لبنان أو تركيا أو الأردن، ودول أوروبية وغربية، فكان خيارنا الأول، منذ الثاني من سبتمبر/ أيلول 2014، الوقوف إلى جانب الإنسان وكرامته، في مواجهة عنف الدولة، وعنف المجتمع.
وانطلاقاً من هذا الخيار، دافعنا عن حرية التعبير وحرية الصحافيين في مختلف أنحاء العالم، وتعاونّا مع منظمات دولية عدة، بينها المعهد الدولي للصحافة (مقرّه فيينا)، وتشاركنا مع لجنة حماية الصحافيين (مقرها نيويورك) ومنظمات أخرى هموم الصحافيين في العالم، خصوصاً في ظل المجزرة المرتكبة ضد زملائنا في قطاع غزة، مع تخطي عدد الصحافيين الشهداء 172 صحافياً فلسطينيباً، وتجاوز عدد الصحافيين الأسرى الخمسين. 

الثقافة والفنون

ترافقت فترة صدور "العربي الجديد"، وصولاً إلى ربيعها العاشر، مع تقلبات سياسية وحروب، وكوارث طبيعية، فلقد شهد كل عام من الأعوام العشرة حدثاً جللاً في واحدة من الدول العربية على الأقلّ، لكنّ ذلك لم يمنعها من منح الأقسام غير السياسية أو تلك المرتبطة بالسياسة، هامشاً واسعاً، إذ كانت صحيفتنا هي الوحيدة التي اختارت نشر ثلاث صفحات سينما أسبوعية، وخصصت لقسم المنوعات والفنون ثلاث صفحات يومية، وصفحة موسيقى أسبوعية، وصفحتي ثقافة. ومنحت لكل هذه الأقسام مساحتها على الغلاف والصفحة الأولى.
وفي زحمة الإسفاف العربي، خصوصاً في مجال المنوعات والفنّ، اخترنا طريقاً مختلفاً، نعالج فيه حتى القضايا "الخفيفة" بطريقة تحترم القارئ وتقدّم له المعلومة والتحليل من دون الغرق في السطحية والتفاهة أو الترويج لهما، ونحتفي فيه بالإنجازات العربية سواء في مجال السينما أو الموسيقى أو الأدب أو العلوم...

ندخل اليوم عامنا الحادي عشر، في فترة هي الأصعب علينا، نحن الصحافيين العرب، إذ تتواصل المجازر في فلسطين، ويضيق الخناق على الحريات في أغلب الدول العربية، بينما تغرق الشعوب في أزمات اقتصادية متلاحقة، ولكننا نواصل محاولتنا في خلق مساحة حرة للنقاش والمعلومة والتحليل، مدركين أننا وقعنا في أخطاء هنا وهناك، رفعنا سقف التوقعات في فترات كثيرة، وتحمسنا ربما تحمّساً زائداً في فترات أخرى، لكننا لا نزال نحاول أن نلتزم بما وعدنا به القارئ في عددنا الأول  بالفحص الذاتي المستمر، والمثابرة على المهنية، والإصرار على الجودة.
 

المساهمون