الصحافة في المغرب: مخاوف من سيف المحاكمات

17 يوليو 2021
حكم على الصحافي سليمان الريسوني بالسجن 5 أعوام (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

فتح الحكم بحق الصحافي المغربي سليمان الريسوني مجدداً ملفاً معقداً في العلاقة بين الإعلام والسلطة، في بلد لا تزال تحولاته في ميدان الحريات والديمقراطية قابلة للانتكاس، رغم التقدم المسجل في السنوات الماضية.

حكم على الصحافي سليمان الريسوني بالسجن 5 أعوام بسبب "اعتداء جنسي"، يوم الجمعة الماضي، في حين جدّد المُدان المضرب عن الطعام منذ نحو مائة يوم التأكيد على "براءته وصموده". كان الريسوني الذي اشتهر بافتتاحياته المنتقدة قد اعتقل في مايو/ أيار عام 2020، في قضية يعتبرها "مفبركة" بسبب آرائه وذلك لاتهامه بالاعتداء جنسياً على شاب، وظل رهن الاعتقال على ذمة التحقيق لتبدأ محاكمته في فبراير/ شباط الماضي.

وفي وقت لا تزال فيه قضية الصحافي الريسوني تثير الكثير من الجدل في المغرب وخارجه، حيث ندد حقوقيون ومسؤولون وصحافيون بالحكم الصادر عن القضاء المغربي، يبدي صحافيون مغاربة تخوفهم من أن يطاول مصير الريسوني الصحافي عمر الراضي وآخرين، وأن يكون الحكم الصادر ضده عنواناً لاستهداف وضرب الصحافة ومحاولة رسم خطوط حمراء جديدة.

وبينما تنفي السلطات المغربية وجود أي علاقة بين محاكمة الريسوني ومواقفه من السلطة وتشدد على عدم حدوث أي تراجع على مستوى الحقوق وحرية التعبير في المملكة، يرى الصحافي ومدير نشر صحيفة "أخبار اليوم" المغربية سابقاً، يونس مسكين، أن قضية الريسوني "تجسّد مرحلة الذروة في عملية استهداف ممنهج ومستمر للصحافة والصحافيين، إلى جانب منتمين إلى أشكال أخرى من التعبير عن الرأي كمثل بعض المدونين والناشطين عبر الشبكات الاجتماعي"، لافتاً إلى أن "المفارقة الغريبة التي يعيشها المغرب تتمثل في كون هذا الاستهداف انطلق بالتزامن مع صدور مدونات قانونية جديدة خاصة بمجال الصحافة والنشر والحق في الحصول على المعلومة".

يونس مسكين: المخيف في قضية الريسوني هو ذلك القدر الكبير الذي لم يسبق له مثيل من الاستهانة بالحقوق والحريات المكفولة بنص الدستور والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب

ويقول مسكين في حديث لـ "العربي الجديد": "بدل أن تكون هذه القوانين الجديدة ــ كما كان يأمل الجميع ــ وسيلة لتفعيل الروح التي سكنت دستور المغرب لعام 2011 التي تقوم على الحرية والتعدد وحماية الحقوق الأساسية، دخل المغرب في دوامة من الملاحقات التي لا تنقطع، فيما يبدو أن محاولة لرسم خطوط حمراء جديدة ومنع السياق الدستوري والسياسي الذي يعرفه المغرب بعد الربيع العربي وما حملته تكنولوجيا التواصل من فضاءات جديدة للتعبير من تكريس نفسه كواقع قائم". ويلفت إلى أن "جلّ ما عاشه المغرب على مدى العقد الماضي ينم عن وجود سياسة مقصودة لقص أجنحة ما تبقى من صحافة مستقلة ومهنية ومزعجة، وإغراق المشهد الإعلامي بأنواع من الممارسات التي لا تمت للمهنة بصلة، من خلال موجة من الميوعة والسطحية والتفاهة الممزوجة بقدر كبير من الاستهداف الواضح للحياة الخاصة لبعض الوجوه الحقوقية والسياسية والإعلامية التي تصر على مواقفها الناقدة للسلطة".

ويضيف: "المخيف في قضية الريسوني هو ذلك القدر الكبير الذي لم يسبق له مثيل من الاستهانة بالحقوق والحريات المكفولة بنص الدستور والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، بدءاً بقرينة البراءة التي تمنع توقيف أو معاقبة أي شخص في غياب دليل أو ضبطه في حالة تلبس بالجرم".

كما يرى الصحافي ورئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان" ــ أقدم تنظيم حقوقي غير حكومي في المغرب ــ عادل تشكيطو أن الحكم الصادر في حق الريسوني "أظهر الهوة الشاسعة بين الخطاب والممارسة الرسمية لقيم العدالة الجنائية والمحاكمة العادلة، وأثبت حقيقة أن جل المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيات والصحافيين والمعبرات والمعبرين عن الرأي، هم في الحقيقة في حالة سراح مؤقت، وأن مسألة سجنهم إنما هي مسألة وقت فقط". وأضاف "الحكم على الريسوني دفن كل آمالنا في أن يستفيد جل المتابعين في قضايا بعينها من حقهم في المحاكمة العادلة، ومن بينهم الصحافي عمر الراضي".

تتواصل محاكمة الصحافي والناشط الحقوقي المغربي عمر الراضي، المعتقل منذ عام، بتهمتي "تجسس" و"اعتداء جنسي"، بناء على شكوى تقدمت بها زميلة له في العمل. في المقابل يؤكد الراضي أن علاقتهما كانت "رضائية". ويواجه الراضي، المعروف بآرائه المنتقدة للسلطات، أيضاً تهمة "تخابر" ظهر أثناء المحاكمة أنها تستند أساساً إلى علاقاته بشركتي "جي 3" و"كي 2" البريطانيتين للاستشارات الاقتصادية، وبمواطن بلجيكي يدعى أرنولد سيمون عمل سابقاً في سفارة هولندا في الرباط. وأوضح الصحافي للمحكمة أنه تعامل مع الشركتين لإنجاز دراستين حول الاستثمار في شركة مغربية وزراعة النخل. أما علاقته بسيمون فشدد على أنها كانت في إطار صحافي محض.

عادل تشكيطو: الحكم على الريسوني دفن كل آمالنا في أن يستفيد جل المتابعين في قضايا بعينها من حقهم في المحاكمة العادلة، ومن بينهم الصحافي عمر الراضي

ويوضح تشكيطو أنه على الرغم من مصادقة المغرب على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أن محاكمات من قبيل محاكمة الريسوني والراضي "تؤكد أننا نسير بسرعتين: أولى تتجسد في التشريع والخطاب المرتبط بإقرار العدالة، وثانية تبطئ هذا المسعى وترسخ النكوص الملموس في مجال القضاء". ويتابع، في تصريحات لـ "العربي الجديد": "ما هو واضح الآن هو أن الجسمين الصحافي والحقوقي باتا يعيشان حالة من التوجس نتيجة ما شاهداه من دوس على القوانين. وأيضاً لما تشهده تشريعاتنا من ثنائية غير مفهومة في التجريم، خاصة إزاء ما يرتبط بقضايا الصحافة والنشر، إذ يتم اللجوء في عدد من قضايا التعبير والنشر من قبل القضاء إلى فصول القانون الجنائي المتضمنة أحكامها عقوبات سالبة للحرية عوض قانون الصحافة الذي لا يتضمن عقوبات سالبة للحرية، ضداً لقاعدة الناسخ والمنسوخ، وضرباً لمبدأ استحضار القانون الأصلح للمتهمين أثناء المحاكمة".

وكانت النيابة العامة المغربية قد قالت، الاثنين الماضي، في بيان، إن "جميع شروط العدالة" توفرت في محاكمة الريسوني، وإن الأخير "حوكم من أجل جرائم تتعلق بالحق العام لا علاقة لها إطلاقاً بعمله الصحافي".

وبحسب رئيس "المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية"، عبد الكبير اخشيشن، فإن الحديث عن اعتبار قضيتي سليمان الريسوني وعمر الراضي تضييقاً على الحريات الصحافية وحرية التعبير "تعميم غير مبرر" و"استنتاج يفتقد للحجة". ويرى اخشيشن أن "أخطاء قد تقع من هذا الطرف أو ذاك، لكنها لا تؤثر على المكتسبات العامة التي حققها المغرب بعدما انتقل من فترة وصفت بسنوات الرصاص إلى مساحات فيها حرية التعبير مقبولة".

ويقول في تصريحات لـ "العربي الجديد": "تعطي القضايا التي تكررت، للأسف الشديد، الانطباع بأن هناك استهدافاً لحرية التعبير، ولكن حينما نتعمق فيها ونتابع تفاصيلها نجد أن الأمر لا علاقة له، نهائياً، بذلك. كما أنه من الصعب جداً أن نجزم بأن الأمر يتعلق بتضييق على تلك الحرية على اعتبار أن القضايا المعروضة على القضاء تخص الحق العام"، لافتاً إلى أنه "في حال ثبت بأي حجة كانت أن هناك محاولة لتكميم أفواه الصحافيين، فإنه يتعين على الجسم الصحافي أن ينتفض، لكن ما دام الأمر يتعلق بمحاكمات وقضايا تتعلق بالحق العام، فإن الصحافيين يتعين أن يكونوا كبقية المغاربة سواسية أمام القانون وليس فوقه أو تحته".

ويضيف رئيس "المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية": "وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها ليس فقط إلى المطالبة باحترام حرية التعبير، وإنما أن نقرنها بتنظيف البيئة التي نمارس فيها المهنة من خلال التكوين والتكوين المستمر لكي نكون أمام ممارسة صحافية سليمة، ودعوة الصحافيين إلى التمترس خلف أخلاقيات المهنة وإلى أن يكونوا شرسين في الدفاع عن حقوق المواطنين ومحاربة الفساد ومتيقظين جداً لإمكانية الخلط بين ممارسة حرية التعبير والأخطاء التي نرتكبها كبشر".

المساهمون