أدّى إغلاق صالات العرض في فرنسا لأكثر من 4 أشهر، بداية عام 2021، إلى تهاوٍ في نسبة التردّد على السينما في العام نفسه. يُشير إحصاء، نشره "المركز الوطني للسينما والصورة المتحرّكة (فرنسا)"، بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى أنّ عدد البطاقات المباعة ـ بين إعادة فتح الصالات في 19 أيار/ مايو، ونهاية تشرين الثاني/ نوفمبر ـ بلغ 75 مليوناً. رقمٌ يُعتَبر الأدنى منذ عقود، مقارنةً بالرقم القياسي لعام 2019، أي 213 مليوناً، الأعلى في فرنسا منذ 50 عاماً.
ليست مناسبة مقارنة عام بآخر قياسي، أو بعام 2020، الذي أعلن فيه كورونا عن وجوده. هنا، ارتفعت نسبة التردّد على صالات السينما بمعدل 15 بالمائة، مُقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذه نسبة متواضعة، تدلّ على توجّه جديد لدى الجمهور السينمائي في فرنسا، سيتّضح أكثر في المستقبل القريب، وتعلن عنه اليوم دراسات واستقصاءات رأي، يُبيّن بعضها أنّ أسباب انخفاض التردّد لا تقتصر على طول فترة الإغلاق، الممتدّة من نهاية العام الماضي إلى 19 أيار/ مايو 2021، بل عوامل أخرى متعلّقة بـ"الاعتياد"، وغيره.
قبل الوباء، كان 3 فرنسيين من أصل 4 يذهبون إلى صالات السينما مرّة واحدة على الأقل سنوياً. اليوم، نصف الذين يذهبون إليها بانتظام لم يعودوا إليها منذ فرض إبراز "شهادة المرور الصحي" أو نتيجة سالبة للوباء، شهراً بعد إعادة فتحها.
في دراسة لـ"معهد هاريس انتراكتِف"، صدرت في أيلول/ سبتمبر 2021، أي 3 أشهر بعد إعادة فتح الصالات، تبيّن أنّ فرنسياً واحداً من 3 يعتقد أنّه سيُقلّل من ذهابه إلى الصالات حتى نهاية العام. وأنّ 52 بالمائة من المُسْتَجْوَبين أعادوا الأسباب إلى الخوف من العدوى. كما عارض البعض الإجراءات الصحّية الخاصة بالسماح بالدخول إلى قاعات العرض، إذْ أكّد ربع غير المُطعَّمين رفضهم الذهاب وإجراء فحص كورونا. تزايد العدد بعد إلغاء مجانية الفحص.
دراسةٌ أخرى ـ أجرتها "مؤسّسة فيرتيغو"، ونشرتها مجلة "الفيلم الفرنسي" على موقعها الإلكتروني (19 تشرين الأول/ أكتوبر 2021)، بيّنت أنّ الكمامة عائقٌ أمام الرغبة في الذهاب إلى الصالات، إذْ وضّح ثلث المُستَطلَعين أنّهم لا يذهبون إليها بسبب إجبارهم على وضع الكمامة، كما بيّن ربعهم أنّهم فَقَدوا عادة الذهاب إليها، وأكّد ربعٌ آخر أنّ أسباب ابتعادهم عائدة إلى نوعية الأفلام (السيئة)، وارتفاع أسعار البطاقات من 7 إلى 14 يورو (بحسب كل صالة وكلّ عمر). في دراسة لوزارة الثقافة الفرنسية، نشرتها صحفٌ فرنسية، تبيَّن أنّ ربع الفرنسيين يُفضّلون اليوم مُشاهدة التظاهرات الثقافية على الوسائل الرقمية، من منصّات وغيرها.
بانتظار الأرقام النهائية، هناك ملاحظات إيجابية في التقديرات الأخيرة لـ"المركز الوطني". ففي عامي الوباء، استفاد الفيلم الفرنسي بارتفاع حصّته في السوق (42 بالمائة)، مُقارنة بحصّة الفيلم الأميركي (37 بالمائة)، الذي فضّل معظم منتجيه تأجيل عروضه بانتظار ظروفٍ أفضل. كما انعكس الوباء إيجابياً على "الفيلم الآخر"، أي الآتي من أوروبا وبقية دول العالم، إذ بلغت حصّته في السوق الفرنسية 21 بالمائة، وهذه نسبة مرتفعة، مُقارنة ليس فقط بالعام الماضي (14.3 بالمائة)، بل حتّى بعام 2019 (16.5 بالمائة).
يتجلّى صعود الفيلم الفرنسي بوضوح في وجود 4 أفلام فرنسية على لائحة الأفلام الـ10 الأكثر جذباً للمُشاهدين في فرنسا، عام 2021. يتصدّر اللائحة "لا وقت للموت" (2021)، لكاري جوجي فوكوناغا، المؤجّلة عروضه في العام الماضي. إنّه أحدث إنتاجات العميل السري جيمس بوند، الذي أعلن عن رغبته في اعتزال المغامرات وفي الاستجمام. لكنْ، هناك ما لا يدعه يرتاح، فيبدأ مهمّة جديدة وخطرة. الفيلم الثاني أميركي أيضاً، بعنوان "ديون" (2021)، لدوني فيلنوف، عن صراع قوى خارقة خيّرة، يمتلكها شابٌ عبقري، مع قوى شرّ، بهدف السيطرة على مصادر طبيعية على كوكب آخر، بعد نضوب خيرات الأرض.
في المرتبة الـ3، فيلمٌ فرنسي بعنوان "كاملوت ـ الجزء الأول" (2021)، لألكسندر آستيه، المأخوذ عن مسلسل فرنسي تلفزيوني مشهور، يعتمد الهزل الساخر في نظرته إلى التاريخ وشخصياته الأسطورية. يختار الفيلم وقوف الملك آرثر أمام جيش صديقه السابق.
في لائحة الموقع الفرنسي "بوكس أوفيس"، احتلّ الفيلم الفرنسي Bac Nord، لسيديرك خيمينيز (2020)، المرتبة الـ4: عن متاعب الشرطة الفرنسية في أداء مهمّاتها في حيّ الشمال الصعب في مارسيليا؛ كما حلّ فيلم فرنسي آخر، ذو مغامرات فكاهية وساخرة، في المرتبة الـ8: "أو. أس. أس 117: إنذار أحمر في أفريقيا" (2021)، لنيكولا بيدوس: جزءٌ ثالث من سلسلة أفلام العميل السرّي، الذي يؤدي دوره الممثل جان دوجاردن.
بقية اللائحة للسينما الأميركية، مع أفلامٍ ينتمي معظمها إلى نوعي الرعب والمغامرات.
أما السينما العربية، فحضورها ثابتٌ للعام الـ3 على التوالي، مع عرض 9 أفلام في الصالات الفرنسية، وهذا حاصلٌ عام 2020، بينما شهد عام 2019 عرض 10 أفلام. عدد الأفلام العربية في الصالات الفرنسية ضئيلٌ مُقارنة بعام 2018، الذي عُرض فيه 20 فيلماً. بعض تلك الأفلام العربية عُرض في صالات تجارية كبرى، وبعضٌ آخر في صالات "فنّ وتجربة".
بدأ العرض في حزيران/ يونيو، أي بعد شهرٍ من إعادة فتح الصالات بفيلم "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، للتونسية كوثر بن هنية (عن النظرة إلى اللاجئ كغرضٍ)، ثم "مجنون فرح" (2021)، للتونسية أيضاً ليلى بوزيد: قصة حبّ بين شاب فرنسي ذي أصل جزائري، وشابة تونسية تأتي إلى فرنسا للدراسة في إحدى جامعاتها، فتغدو للشاب نافذة انفتاح على عالم الثقافة العربية وعلى العشق، في نظرة واقعية للمخرجة وكاتبة السيناريو، لكنْ أيضاً نظرة مبتكرة وجذّابة على الشباب العربي من جهتي المتوسط.
من تونس، هناك الوثائقي "ع السكة" (2019)، لأريج السحيري، عن خطّ سكة حديدية مهمل ومتآكل، وعمّال مهمّشين، إلى فيلمين من إنتاج جزائري فرنسي: "جزائرهم" (2019)، وثائقي للينا سويلم، المُثير للشجن والعواطف، عن جدّي المخرجة المُطلّقين في فرنسا، في استعادةٍ لعلاقة المُهاجر بوطنه، المليئة بالحنين، و"سيكار بالعسل" (2020)، روائي لكريم عينوز، عن مواجهة مُرّة لفتاة منطلقة ضد سلطة والدها الجزائري العلماني المتحرّر، لكنْ المُحافظ إزاء رغبات ابنته. من المغرب، عُرض "علّي صوتك" (2021)، لنبيل عيوش، الذي بثّ أملاً عبر الغناء في صفوف شبابٍ فقراء في ضواحي الدار البيضاء.
أما الحبّ، فحاضرٌ في خلفية الحرب في فلسطين، مع "غزّة مونامور" (2020)، للأخوين طرزان وعرب ناصر. ومن لبنان، "1982" (2019)، لوليد مونّس. هناك الانتقام، كما في "المترجم" (2020)، للسورية رنا كزكز، عن الخوف من انتقام السلطة، عبر قصة مترجم الفريق الأولمبي السوري في سيدني، عام 2000، الذي يُجبره خطأ في الترجمة على البقاء في أستراليا كلاجئ سياسي.