الحقيقة العارية في غزّة... الخوف من علامة النصر (4/4)

19 فبراير 2024
علامة النصر في في دير البلح (فرانس برس)
+ الخط -

أثناء زيارة إلى مستوطنات حزام غزة التي استهدفتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لرؤساء المجالس المحليّة، إن "يحيى السنوار سيخرج من تحت الأنقاض رافعاً علامة النصر. لن أوافق على ذلك".
هناك مفارقة في هذا التصريح، خصوصاً أن إسرائيل إلى الآن لم تصل إليه، ولا يعرف جيش الاحتلال، حسب الرواية العلنيّة، أنه في نفق ما؛ إذ بث جيش الاحتلال تسجيلاً يظهر فيه من زُعم أنّه السنوار، من دون أن يظهر وجهه، في محاولة مضحكة. فبعد كل هذا الدمار، لا أثر حتى لوجهه. هناك شخص نراه من الخلف يسير في ما يبدو أنه نفق.
لا تتعلق الحقيقة العارية في هذا السياق بالسنوار نفسه والجدل المحيط به، وتفاخر إسرائيل بنشر تسجيل يظهر فيه من الخلف من دون أن نعرف إن كان هو حقاًً، بل بعلامة النصر نفسها؛ الإصبعين المرفوعتين علامةً على عدم الاستسلام، تلك التي من الواضح أنها شديدة الأثر إلى حد أنها تغيظ نتنياهو، المستعد لتدمير قطاع غزّة بأكمله (وهذا ما يحصل) كي لا يرى هذه علامة النصر هذه.
علامة النصر الملاصقة للقضية الفلسطينيّة، والتي يرفعها الأسرى عند تحريرهم، والناجون من الحطام، هي انتصار لنا جميعاً. علامة تشير إلى أن الموت نفسه لا يهدد أصحاب الحق. ما لا جدل فيه أننا لسنا فقط أمام رمزيّة أو مجاز، بل علامة جسديّة، تتلخص بـ"الحياة" بوصفها "انتصاراً" أمام ماكينة القتل. العري هنا، بمفهومه السياسي الوحشي (التجريد من كلّ حق حتى حق الحياة)، يواجه مقاومة؛ حركة صغيرة بالأيدي، تستفز رئيس وزراء دولة الاحتلال إلى حد التأكيد أنه الحرب كلّها قد تكون بلا طائل، في حال رُفعت هذه الإشارة.
إشارة نتنياهو هنا تثير القشعريريّة، كونه القاتل بحد عينه، يتنبأ بنهايته. موت وحياة السنوار ليستا محط الجدل، بل العلامة نفسها، نبوءة أطلقها القاتل مؤكداً أنه على رغم كل ما حصل ويحصل، هذه العلامة تعني هزيمته، ونصر صاحب الحق الذي "يخرج من تحت الأنقاض". الاقتباس يظهر وكأنه في حبكة سينمائيّة، في مكان الهزيمة الأولى، 7 أكتوبر، ينطق المُنتقم مؤكداً أنه سيُهزَم، وهذا ما "لن يوافق عليه".
المفارقة الثانيّة، أن موافقة نتنياهو من عدمها لا دور لها في تحديد مصير المقاومة. هي عبارة جوفاء إذاً، بلا أثر فعلي على الأرض التي أحرقها. وهنا الحقيقة العارية، حسب تعبير بيتر سلوتردايك في "نقد العقل الكلبي"، المتمثلة في سقوط الأقنعة، والقناع الذي سقط الآن يكشف أن القاتل خائف من مصيره ولن يقبله بكل بساطة. لكن، هل تمكّن رجل في التاريخ من الوقوف في وجه قدره؟
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لغزيّ يرفع علامة النصر بعد أن قضى ست ساعات تحت أنقاض منزله الذي قصفه جيش الاحتلال في مخيم الشاطئ. خسر كلّ شيء إلا ذاك الرمز، تلك العلامة الملتصقة بالجسد. وهنا المفارقة، ماكينة الحرب الإسرائيليّة ترعبها رموز؛ إذ لم يعد يكفي أن أساطير القبة الحديدية والجدران الفاصلة وغيرها من تقنيات التجسس، انهارت في 7 أكتوبر، وكُسر الحصار بدراجة مجنحة، تحمل مقاتلين.

المرعب أن علامة النصر هذه تلك التي يعاندها المُحتل، تقابلها رموز وأسماء محددة على صواريخه، تلك التي تمتد خارج قطاع غزّة. كشفت إسرائيل التي تخاف علامة النصر "رغبتها" باستهداف أي شخص في العالم، ليس فقط بقوة المال، بل بالسلاح أيضاً؛ فماذا يعني أن نقرأ اسم مغن أو ممثلة أو مذيع على صاروخ؟ هل هذا رمز أم تهديد بالقتل؟ ماذا يعني أن تستخدم حجة الدفاع عن النفس ومعاداة الساميّة ليكون "الجميع" هدفاً محتملاً؟ لا لشيء، بل فقط لأنهم طلبوا وقف إطلاق النار؟ هنا تظهر علامة النصر بوصفها علامةً شديدة الإنسانيّة، انتصاراً لضمير العالم، وليس فقط لفلسطين.

المساهمون