أهداف وأعمال الصهاينة: وثائقي روسي متهم بالتطرّف

11 نوفمبر 2021
لعب الاتحاد السوفيتي دوراً حاسماً في التصويت لصالح إقامة دولة الاحتلال (ميخائيل تيريشينكو)
+ الخط -

تزامناً مع إحياء الذكرى الثلاثين لإعادة العلاقات الدبلوماسية، بين روسيا و"دولة" الاحتلال الإسرائيلي، أدرجت وزارة العدل الروسية الفيلم السوفييتي "الخفي والظاهر: أهداف وأعمال الصهاينة"، في قائمة المواد المتطرفة يوم الإثنين.
أنتج الفيلم الوثائقي في عام 1973 في استوديو الأفلام الوثائقية المركزي في موسكو، في فترة شهدت اشتداد الحرب الباردة، واتهام الاتحاد السوفييتي بعدم السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة. ولم يعرض الفيلم على نطاق واسع في دور السينما والتلفزة السوفييتية.
وتبنّت وزارة العدل قرار إدراج فيلم "الخفي والظاهر: أهداف وأعمال الصهاينة" في قائمة المواد المتطرفة، بناءً على حكم قضائي صادر عن محكمة مدينة سيكتيفكار، في جمهورية كومي في سيبيريا الغربية في يوليو/ تموز الماضي. وحسب قرار المحكمة؛ فإن الفيلم يتضمن "تقييمًا سلبيًا لمجموعة من الأشخاص تم تحديدهم من خلال مزيج من الخصائص: القومية والأيديولوجية – (الصهاينة)، وكذلك اليهود كمجموعة قومية بشكل عام". ورأت أن الفيلم ينطلق من "وصف الأعمال العدائية لمجموعة من الناس (الصهاينة) ضد مجموعات من الناس: العرب والتشيك والسلوفاك (مميزون بالجنسية) والفلسطينيون (مميزون بمزيج من الخصائص: الجنسية ومكان الإقامة)"، ما يعد تعميما وتحريضا على مجموعة عرقية محددة.
وحسب الدعوى التي وافقت عليها المحكمة؛ فإن الفيلم "يُلقي اللوم على مجموعة من الصهاينة لارتكابهم أفعالاً ترتبت على نتائج سلبية للغاية، وهي: المساعدة المالية لألمانيا النازية استعدادًا للحرب العالمية الثانية، والتي نتج عنها "عشرات الملايين من الضحايا".
"الخفي والظاهر" فيلم دعائي سوفييتي، تم تصويره عام 1973، ومدته 89 دقيقة. يعكس العمل وجهة نظر معادية للصهيونية سادت في ذلك الوقت في أيديولوجية الاتحاد السوفييتي. ويتهم الفيلم الصهيونية بالتعاون مع ألمانيا النازية، بما في ذلك الهولوكوست وإبادة الشعوب الأصلية في الاتحاد السوفييتي.
يبدأ الوثائقي ببعض اللوحات التاريخية حول حياة السيد المسيح، وتعامل اليهود معه. وبعدها، تظهر على الشاشة عبارة "هذا الفيلم يضمن حقائق، واستخدمت فيه وثائق وتصريحات حقيقية واعترافات". وبعدها، يذكر معدو الفيلم بمقولة مؤسس الدولة الشيوعية، فلاديمير لينين: "الفكرة الصهيونية هي فكرة كاذبة تماماً ورجعية في جوهرها". وخصص الفيلم مساحة واسعة للجرائم التي اقترفتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين والعرب لتهجيرهم من مدنهم وقراهم، وعرض مقاطع لجرائم "الهاغانا وشتيرين"، وذكر أن الصهاينة هم من تسببوا في حرب عام 1948، ونكبة الفلسطينيين. ويعرض العمل رؤية مساندة للعرب في الحروب العربية مع الاحتلال حتى عام 1973، ويفضح تصرفات الجيش الإسرائيلي بحق الأسرى والمعتقلين.

يقدم الفيلم الصهيونية وقادتها على أنهم أشد أعداء الشيوعية، ويشير إلى دور العائلات اليهودية الغنية، مثل عائلة روتشيلد، في التحريض على الاتحاد السوفييتي، لكن الأخطر هو عرضه وثائق قال معدوه إنها تثبت تواطؤ قادة الحركة الصهيونية مع النازية، ودعم حكومة هتلر بالأموال في الحرب العالمية الثانية، والتسبب في معاناة الشعب اليهودي لدفعه إلى الهجرة إلى فلسطين المحتلة.
يقول الكاتب، أوليغ بلاتونوف، في كتابه "المقاومة الروسية: الحرب مع المسيح الدجال"، إن فيلم "الخفي والظاهر" تم تصويره بقرار خاص من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. لكن رئيس لجنة أمن الدولة في الاتحاد السوفييتي، حينها، يوري أندروبوف (صار لاحقا أميناً للحزب الشيوعي السوفييتي لفترة قصيرة)، أصدر قراراً بحظره، وإتلاف جميع نسخ الفيلم. ويؤكد بلاتونوف أنه على الرغم من الحظر، فقد عُرضت نسخة مختصرة من الفيلم في منتصف السبعينيات سرّاً في منازل "بعض كبار الشخصيات في القيادة الروسية". واتهم بعض نقاد السينما السوفييت، بما في ذلك ليونيد كوغان، صانعي الفيلم بمعاداة السامية.
معلوم أن الاتحاد السوفييتي، لعب دوراً حاسماً في التصويت لصالح إقامة دولة الاحتلال في عام 1947. وتشير وثائق تاريخية إلى أن الزعيم السوفييتي، جوزيف ستالين، كان يراهن على أن دولة الاحتلال يمكن أن تصبح قاعدة مهمة لانتشار الشيوعية. ولاحقاً، تبدل الموقف السوفييتي منذ 1956 لصالح العرب، ثم قطع الاتحاد السوفييتي علاقاته مع دولة الاحتلال في عام 1967، قبل أن تستأنف في الأيام الأخيرة للاتحاد قبيل انهياره في نهاية 1991.
وفي تصريحات لمحطة روسيا الحكومية، منذ أيام، أشاد آخر سفير إسرائيلي في الاتحاد السوفييتي، وأول سفير لروسيا، آري ليفين، بالجهود التي تبذلها روسيا في موضوع محاربة معاداة السامية. قال: "فاجأنا بوتين بحقيقة أنه بدأ بالفعل في معاملة يهود الاتحاد السوفييتي السابقين، الذين يعيشون الآن في إسرائيل، على أنهم يهوده السابقون. وبشكل عام، لا ينظر إلى إسرائيل كدولة تهدده بشيء".
وفي عام 2018، كشف استطلاع أجراه مركز ليفادا، بتكليف من الكونغرس اليهودي الروسي، أن يهود روسيا لا يستشعرون خطر معاداة السامية، وأن النظرة لليهود تغيرت، ولم يعد يُنظر إليهم على أنهم "أعداء حقيقيون". في المقابل، أشارت دراسة، حينها، إلى أن المواطنين في روسيا، من مختلف القوميات والأديان، يسارعون إلى إعلان موقف ايجابي من اليهود "ظاهريا" فقط، من أجل إبعاد التهم بمعاداة السامية بعد القوانين المشددة التي تبنتها الدولة لمحاربة هذه الظاهرة. ويرى كثير من الخبراء، أنه لا يمكن وصف روسيا على أنها بلد معاد للسامية، ولكنها بلد يكثر فيه غير المحبين لليهود على مستوى الأفراد.

ويبدو أن توقيت إدراج فيلم "الخفي والظاهر: أهداف وأعمال الصهاينة"، لم يكن مصادفة، خاصة أنه جاء عشية إحياء "اليوم العالمي ضد الفاشية ومعاداة السامية والعنصرية" في كثير من بلدان العالم. وفي السنوات الأخيرة، سعت القيادة الروسية، ومن ضمنها الرئيس فلاديمير بوتين، إلى إظهار الدور الكبير للاتحاد السوفييتي والجيش الأحمر في إنقاذ اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، ومحاولة إلصاق تهمة التعاون مع النازيين على صف واسع من قيادات أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق.

وفي نهاية عام 2019، قال بوتين أمام مجموعة من الضباط الكبار في وزارة الدفاع الروسية، إنه اطلع على وثائق تاريخية تفيد بأن السفير البولندي في برلين، الذي وصفه بأنه "خنزير معاد للسامية"، وعد عام 1938 بتشييد "نصب جميل" لهتلر في وارسو، بعدما عرض الأخير "إرسال اليهود إلى مستعمرات في أفريقيا".
وعلى خلفية تقارير أشارت إلى زيادة معاداة السامية في أوروبا، بعد موجات اللجوء، دعا بوتين اليهود إلى العودة إلى روسيا، وزاد في لقاء مع رئيس المجلس اليهودي الأوروبي، فياتشيسلاف موشيه كانتور، في اجتماع عقد في موسكو في 2016 أن "بإمكانهم (اليهود) القدوم إلينا، لقد غادروا الاتحاد السوفييتي، دعهم يعودون". وحينها، أبدى بوتين أسفه من أن "معاداة السامية آخذة في التنامي في جميع أنحاء القارة، واليهود يفرون من القارة التي كانت مزدهرة يوماً ما".

وتحتوي قائمة المواد المتطرفة لوزارة العدل الروسية، على أكثر من خمسة آلاف مادة، من بينها أغان ومقاطع تسجيلات صوتية ومرئية وقصائد وكتب ومقالات. ويعاقب من يروج لهذه المواد أو يعيد نشرها بغرامة تصل إلى ثلاثة آلاف روبل، أو السجن لمدة تصل إلى خمسة عشر يومًا، كما يفرض على الكيانات القانونية غرامة تصل إلى مليون روبل أو تعليق الأنشطة لمدة تصل إلى 90 يومًا.

المساهمون