أغانٍ وطنية بعد انفجار بيروت... أعمال من دون جمهور

28 سبتمبر 2020
حققت أغنية "بيكفي أنك لبناني" لعاصي الحلاني نجاحاً جماهيرياً مقبولاً (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكد يمرّ أسبوع على انفجار مرفأ بيروت الذي حصل في الرابع من شهر آب/ آغسطس الماضي، حتّى هبّ الفنانون من أجل إصدار أغانٍ تحاكي المأساة، وأطلقوا عليها اسم "أغانٍ وطنية"، تحت ذريعة التعاطف مع المدينة المدمّرة. 
فأصدرت يارا، وغسّان الرحباني، ورامي عياش، وفضل شاكر، وعاصي الحلاني، والشاب خالد من الجزائر، وناصيف زيتون من سورية، وغيرهم  أيضًا، أغاني لبيروت، يمكن القول إنّها وصلت إلى درجة "التخمة". علماً أنّ كل هذه الأغاني تدور في فلك التكرار والرتابة من ناحية التغني بجمال بيروت والبكاء على أطلال المدينة، والأمل بعودتها إلى السابق، من دون أن تحظى بأيّ تفاعل جماهيري حقيقي.  

هذا التهافت من قبل الفنانين من أجل إصدار أغانٍ تضامنية مع بيروت هو أمر يُثير التساؤل حول هذا السباق في إصدار أغانٍ "تعاطفية" أو "بكائية"، في حين كان غيابهم لافتاً مثلاً منذ أشهر في ثورة 17 تشرين، إذْ لم يجرؤ أحدٌ منهم على إصدار أي أغنية للثورة، تحرج انتماءاتهم الحزبية والسياسية المعروفة للجمهور. طبعاً من الضروري استثناء إليسا التي أعلنت منذ البداية دعمها الواضح للثورة، وأصدرت أغنية "أنا عم ثور"، في حين اكتفى بقية الفنانين فقط بإطلاق تغريدات على "تويتر". تغريدات مائعة لا تشير إلى أيّ موقف سياسي وأخلاقي واضح، إذْ لا يعرف المرء إذا كانوا مع الثورة أم مع الطبقة الحاكمة.

هكذا جاء انفجار بيروت كفرصة من أجل التعبير عن "وطنيتهم"، ولتعويض تجاهلهم لثورة 17 تشرين. أي أنّ أغانيهم الأخيرة حول انفجار بيروت هي مجرّد "ركوب موجة" لا أكثر، من أجل إثبات التعاطف مع بيروت، من دون التطرق إلى الحيثيات السياسية الدقيقة، لأن من هؤلاء الفنانين من يمتلك انتماء سياسياً وحزبياً واضحاً في الخريطة السياسية اللبنانية.

لذلك، قام هؤلاء بتقديم أغانٍ "مسلوقة على عَجَل"، تسجل فقط موقفاً "وطنياً"، فلم تلقَ صدى لدى الجمهور الذي لم يسمع ربما حتى بصدور هذه الأغاني. ولم تستطيع أي أغنية من هذه الأغاني الجديدة أن تزيح الأغاني الكلاسيكية التي صارت أشبه بأغانٍ رسمية، ترافق الأحداث التي تحصل عادة في لبنان، مثل "بحبك يا لبنان" و"لبيروت" لفيروز، و"يا ست الدنيا يا بيروت" لماجدة الرومي، و"راجع يتعمر راجع لبنان" لزكي ناصيف و"يا لبنان دخل ترابك" لصباح.

وغيرها من الأغاني القديمة التي صارت تراثاً وطنياً مع مرور السنوات. أي أنّ كل الأغاني التي صدرت مؤخراً حول انفجار بيروت، لم تستطع أن تنافس الأغاني التراثية الوطنية، أو أن تعلق في ذاكرة الشعب اللبناني، باستثناء أغنية "بيكفي أنك لبناني" لعاصي الحلاني "لبنان راح يرجع" لجوزيف عطية، وهما أغنيتان صدرتا قبل 10 سنوات، ولقيتا رواجاً مقبولاً، وتمكنتا من البقاء في قائمة الأغاني الوطنية التي تُسمَع عادة في المناسبات الوطنية والأحداث الكبرى التي تحصل في لبنان.   

عدم اهتمام الجمهور بالأغاني التي صدرت بعد انفجار بيروت، والتي صار مصيرها النسيان، هو دليل على تبدل المزاج الفني الثوري، وظهر ذلك بشكل واضح من خلال ثورة تشرين، إذْ تمت الاستعانة بأغانٍ لا علاقة لها أبداً بالأغاني الوطنية التقليدية. مثلاً، استعان الثوار بأغنية فضل شاكر "فاكر يعني لما تقولي حسيبك يعني هترجاك"، وذلك من أجل التعبير عن عدم أسفهم على رحيل الطبقة الحاكمة. وكذلك "الديو" الذي جمع سعد لمجرد مع محمد رمضان في أغنية "إنساي"، والتي كانت لها حصّة كبيرة في التظاهرات. 

المساهمون