"مزرعة كلاركسون"... جرّار لامبورغيني يعيد تشكيل الطبيعة

22 يوليو 2021
تبقى كاريزما كلاركسون الحامل الرئيسي للبرنامج (أمازون)
+ الخط -

يرتبط اسم جيرمي كلاركسون ببرنامج Top Gear. أحد أشهر برامج السيارات في العالم؛ فكلاركسون وشريكاه، ريتشارد هاموند وجميس ماي، أشركونا منذ عام 2002 معهم في مئات المغامرات التي تبدأ بقيادة السيارات، واختبار أيها أسرع، وتنتهي باستكشاف العالم، وتفجير المنازل، وغيرها من الأفعال التي أمتعتنا لسنوات.

لكن عام 2015، تم فصل كلاركسون من برنامج Top Gear. السبب، باختصار، أنه قام بلكم أحد المنتجين. وبالرغم من إصرار المعجبين وتوقيعهم العرائض، غادر كلاركسون، واستبدل بـ مات لا بلانك، المعروف بأدائه دور جوي في مسلسل Friends ذائع الصيت. لكن الأخير لم يتمكن من مقاربة كلاركسون ولا الكاريزما الخاصة به.
عاد بطل برنامج Top Gear هذا العام عبر برنامج "مزرعة كلاركسون"، الذي تنتجه وتبثه منصة "أمازون برايم". وكما هو واضح من الاسم، البرنامج يدور حول كلاركسون ومزرعته في كوستولدز في الريف البريطاني، وكيف قرر نهايةً أن يصبح مزارعاً.
لا يخيب البرنامج توقعاتنا حين نعلم أن كلاركسون فيه؛ فضمن الحلقات الثماني، نتعرف إلى الصعوبات التي يواجهها إثر قراره أن يقوم بنفسه بكافة أعمال الزراعة والحراثة وتربية الماشية، وهذا ما نكتشف استحالته، بالرغم من أنه يمتلك المال ويحاول تقديم حلول مبتكرة للمشكلات التي تواجه المزارعين، لكن كل هذه الحلول مصيرها الفشل، لينتهي به الأمر مستعيناً بمن حوله من أجل إصلاح ما "خربه"، إذ لا يمكن لشخص يظن نفسه ذكياً أن يغير حرفياً آلاف السنين من تقنيات وأعراف الزراعة، سواء كنا نتحدث عن كيفية قيادة المحرث، أو أسلوب نقل المياه من باطن الأرض إلى ظاهرها.
ما يثير الاهتمام في المسلسل، وهو ما يتشابه مع Top Gear، هو الحس بالمغامرة لاختبار الفرضيات المستحيلة، أو التي تبدو مقنعة للوهلة الأولى. هذا الأسلوب في تبني خطة ذاتية ثم محاولة تطبيقها، واكتشاف فشلها لاحقاً، يحمل قيمة تعليمية داخله إلى جانب شكله الترفيهي، فتكرار عملية التجريب والفشل، ثم الاستعانة بالمختصين، يكشف لنا بدايةً عن الصعوبة الشديدة التي يواجهها من يقرّر أن يصبح مزارعاً، فضلاً عن التفاني الضروري لإنجاز هذا العمل، الذي يمكن ببساطة أن يفشل لأسباب طبيعية، كهجوم الحشرات، غزارة الأمطار، ندرة الأمطار، أو وباء عالمي يهدد كل العاملين في الزراعة.
يسخر كلاركسون بصورة مباشرة من حماة الطبيعية وحلولهم اللامنطقية لمشكلاتها، إذ نراه يقطع الأشجار ويحفر في الأرض ويخرب المساكن الطبيعيّة ضمن عملية wilding التي تتيح إعادة التنوع الحيوي واستعادة ما فقده النظام البيئي، وسبب سخرية كلاركسون يكمن في أن كثيرين من حماة الطبيعة والمتعصبين لتركها تعمل لوحدها، لا يعلمون بدقة كيف تعمل "الطبيعة"؛ فقطع كمية كبيرة من الأشجار لا يعني قتل الغابة التي ما زالت غنيّة، بل جزء من استراتيجية هدفها إيصال ضوء الشمس إلى الأرض، ما يتيح للنباتات الأصغر أن تنمو وتتكاثر.

كشف لنا كلاركسون كيف تحولت مفاهيم الـ"Bio" و"المحاصيل المحليّة" إلى خدعة تجارية


أما استخدامه لبلدوزر ضخم لإنجاز حفر عشوائية في الأرض، فلا يعني أنه يخرب التربة، بل محاولة لخلق بحيرات مرتجلة لإنعاش حياة الحشرات وحثها على التكاثر من أجل عمليات التلقيح. ما شاهدناه طوال ثماني حلقات من جهود عشوائيّة يقوم بها عجوز أخرق، تنتهي بمشهد لا يقدر بثمن، نرصد عبره كيف أعادت الطبيعة ترميم نفسها. وببساطة، يمكن القول، إن التدخل البشري لا يعني دائماً التخريب، بل مد يد العون للطبيعة من أجل أن تشفي ما خرب طوال مئات السنين.
يكشف لنا كلاركسون، أيضاً، عن التقنين الشديد الذي تخضع له الزراعة. في ذات الوقت، كيف تحولت مفاهيم الـ"Bio" و"المحاصيل المحليّة" إلى خدعة تجارية؛ إذ نراه يحاول افتتاح متجره الخاص، ليبيع ما ينبت في أرضه، لنكتشف أنه لم يحصد سوى أطنان من البطاطا. في حين قامت مساعدته بشراء كل شيء آخر، خصوصاً الأفوكادو، الذي تخرب زراعته المحلية التربة بشكل كبير. وهنا تظهر المفارقة، شركات المنتجات الطبيعية ليست إلا شكلاً من أشكال الدعاية، التي لا تطبق ما تدّعيه، بل تحتال على القوانين، مهددة المزارعين المحليين أنفسهم و محاصيلهم المتنوعة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تبقى كاريزما كلاركسون الحامل الرئيسي للبرنامج. وكما في Top Gear، هناك حس بالدعابة لا يمكن إلا أن يخاطبنا، مهما كان الواحد منا بعيداً عن بريطانيا أو ثقافتها ولغتها، إذ يكفي أن نشاهد كيف يحاول كلاركسون إدخال تراكتوره اللامبورغيني في بوابة المستودع، والصعوبات التي يواجهها في قيادته كي يعتلي وجهنا الضحك. والسبب أن البرنامج يراهن على فشل تخيلات الإيغو الشخصي، والصراع بين رأي الفرد وتجربة المزارعين التي تحولت إلى عرف وقانون، ولا يمكن فجأة تغييرها، سواء عبر "المبادرة الشخصية" أو المال أو الحذلقة.

المساهمون