منذ فترة، من الصعب أن نجد عملا دراميًا يحقق نجاحًا شعبيًا، وأن يدخل قائمة الأعمال الدراميّة التي لا تُنسَى، والتي يمكن مشاهدتها لأكثر من مرّة. الأعمال الدراميّة أصبحت تمرّ مرور الكرام من دون أن تخلق حالة جدل ونقاش إلا في النادر. استطاع مسلسل "لعبة نيوتن" لكاتبه ومخرجه تامر محسن أن يكسر هذه القاعدة، وأن يخرج من دائرة الاستهلاك الدرامي المباشر.
حصد العمل إجماعًا جماهيريًا، إذْ يُعتبَر المسلسل هو العمل الوحيد بعد "سجن النسا" الذي حقق هذا الإجماع من قبل المشاهدين والنقاد. بل إنّ المشاهدين تفاعلوا مع أحداث المسلسل تماماً، وشغلت القضايا التي يطرحها نقاشات الرأي العام. بدءاً من الحصول على جواز السفر الأميركي (العامل "المخلّص") أو القتل بلدغات النحل أو الطلاق عبر "الواتس آب" أو الاغتصاب الزوجي. كما أنّ عنوان المسلسل أثار الكثير من الفضول حوله، إذ تصدَّر قائمة الأسماء الأكثر بحثًا على محرّك بحث "غوغل".
جاءت الحلقة الأخيرة ضعيفة في عمل متكامل من الألف إلى الياء
عنوان المسلسل "لعبة نيوتن" يدلّ على القانون الفيزيائي المعروف لنيوتن. لكلّ فعل ردّة فعل مساوية له في المقدار ومتعاكسة في الاتجاه. بهذه الطريقة في التفكير، ركّز مخرج العمل على أدق التفاصيل جاعلاً منه مسلسلاً لا يمكن أن تخرج منه بعد أي حلقة، دون أن تشغل تفكيرك. العمل لا يكرّس الصورة المثالية أو الجماليّة لأي شخص من شخصيّاته، بل يقدم نماذج متضاربة ومتناقضة ومتصارعة بين الخير والشر، مع الاعتماد على ردّة الفعل الصادمة عند الجمهور. هذا الأمر ذهب بالمشاهدين إلى البحث عن العامل النفسي من أجل تحليل شخصيّات الأبطال وتبرير تصرّفاتهم القائمة على عقد النقص وترسّبات الماضي. العمل لا يجعلك متعاطفًا مع الشخصيّات، بل ستكرههم وتنفر منهم، وتشتمهم وتتابع العمل بشغف.
مسلسل لعبة نيوتن هو العمل الأول في العالم العربي الذي لفت الانتباه إلى البعد النفسي لتصرّفات الأطفال، البعد النفسي غير المباشر الموجود في اللاوعي. وإذا كان المسلسل قائمًا على قانون نيوتن بالمعنى الفيزيائي، ولكن فلسفة نيتشه حاضرة أيضًا، إذ نجد في أحد المشاهد شخصيّة سيد رجب وهو يقرأ جملة من كتاب لنيتشه "أنا لست إنسانا... بل عبوة ديناميت". هذه الجملة التي أسقطت أقنعة القداسة والكهنة واللاهوت وغيرت من مجرى التاريخ. كل شخص في العمل يدّعي امتلاكه الفضيلة، إذ تتصارع داخله قيم الفضيلة والرذيلة، ليصبح ادعاء الفضيلة نوعًا من "دس السم في العمل". ويظهر زيف هذا الادعاء في العمل من خلال انكشاف الوجه الخفي للشخصيات الضعيفة والمتوترة، إذ تظهر أنانيتها وشرها ورغباتها الداخليّة.
كل ما تظهره الشخصيّة يصبح فقط خداعًا، مثل لحية الشخص المتدين "مؤنس" والتي أربكت المشاهد والأفكار المسبقة الموجودة في رأسه حول اللحية الطويلة، والتي ترتبط غالبًا بالتطرف والإرهاب. ولكن تناول العمل يخالف كلّ التوقعات ويكسر الصورة النمطيّة حول المتدين، بل يرسمها كشخصيّة مركبة تعاني من صراع، وليست كما تعرض في الأعمال الأخرى بأنّ أصحاب اللحى هم متطرّفون وإرهابيون دومًا. "مؤنس" هو رجل عاشق يعاني من عقدة الأم، ويتخلّى عن جزء كبير من ثوابته في سبيل الوصول إلى قلب من يحبها. كلّ هذه الشخصيات المتقلبة خدّرت المشاهدين خلال فترة عرض العمل، ليستفيقوا في النهاية على الصدمة التي أفسدت متعة العمل. جاءت الحلقة الأخيرة ضعيفة في عمل متكامل من الألف إلى الياء، إذا كان الجمهور يتوقّع نهاية غير عادية تتوافق وتنسجم مع مستوى المسلسل، لكنها جاءت نهاية متوقّعة ولا تحمل أي مفاجأة.