تتعرض البنية التحتية للاتصالات في قطاع غزة لضغوط شديدة ومتزايدة منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وفقًا للتقرير الصادر عن حملة "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، فقد شهدت البنية التحتية للاتصالات دمارًا هائلًا نتيجة العمليات العسكرية المتكررة، خاصة في الحرب الأخيرة. يُقدر أن 75% من هذه البنية قد تعرضت لأضرار، بينما تم تدمير 50% منها بالكامل، ما أدى إلى توقف خدمات الاتصالات والإنترنت بشكل متكرر خلال النزاع. ومنذ بداية العدوان، تعرضت خدمات الاتصال في غزة لتشويشات متعددة على كل المستويات، بما في ذلك الانقطاع التام للاتصالات أكثر من 15 مرة. لم يكن الدمار المادي السبب الوحيد لانقطاع الاتصالات، بل ساهم انقطاع الكهرباء والنزوح المتكرر للسكان في زيادة تعقيد الأزمة. وقد أدت هذه الانقطاعات إلى معاناة شديدة لأهالي غزة، الذين فقدوا القدرة على الاتصال بخدمات الطوارئ والإنقاذ، ما ساهم في زيادة أعداد الضحايا بسبب صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية.
البنية التحتية للاتصالات في غزة قبل الحرب
شهدت البنية التحتية للاتصالات في غزة ضعفًا وتراجعًا على مدى سنوات بسبب غياب التطوير والتحديث. فالانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، خصوصًا في أعقاب اتفاقية أوسلو، فرضت قيودًا شديدة على استخدام الطيف الترددي في غزة والضفة الغربية، ما أثر سلبًا على خدمات الاتصالات المتقدمة مثل الإنترنت عالي السرعة. عانت غزة من فجوات كبيرة في خدمات النطاق العريض بسبب هذه القيود، التي منعت تطوير شبكات الجيلين الثالث والرابع (3G و4G)، وجعلت الاتصال مقتصرًا على تقنيات قديمة. ومع بدء العدوان الحالي، تعرضت البنية التحتية للاتصالات إلى أضرار مباشرة نتيجة الغارات الجوية والعمليات العسكرية البرية، إذ استهدف الاحتلال البنية التحتية السطحية مثل أبراج الاتصالات والمراكز الرئيسية للألياف البصرية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية تحت الأرض التي تمر عبرها خدمات الإنترنت السريع. وتُظهر المقارنة بين الخرائط التي أعدتها الأمم المتحدة خلال مراحل مختلفة من الحرب أن الدمار الجغرافي توسع ليشمل المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية مع مرور الوقت.
تأثير انقطاع الخدمات على السكان
كانت آثار انقطاع خدمات الاتصالات على السكان مدمرة، حيث زادت من تعقيد الحياة اليومية وفاقمت المعاناة الإنسانية. انقطاع الاتصال بالإنترنت والمكالمات الهاتفية جعل من الصعب على المدنيين التواصل مع أسرهم ومع خدمات الطوارئ. كما توقفت العمليات التي تديرها المنظمات الإنسانية، ما زاد من العبء النفسي على السكان، الذين كانوا يعيشون في عزلة عن العالم الخارجي. وعلى الرغم من الدمار الواسع، كررت شركات الاتصال الفلسطينية مثل "جوال" و"أوريدو" محاولاتها للحفاظ على تقديم الخدمات، وذلك من خلال توفير حزم اتصالات شهرية مجانية للسكان، ودعم الشبكات باستخدام مولدات الديزل في ظل انقطاع الكهرباء. لكن هذه الحلول كانت مؤقتة ومعرضة للفشل مع نفاد الوقود وانقطاعه عن القطاع.
اللجوء إلى الحلول البديلة
مع تزايد حدة الأزمة، لجأ السكان إلى حلول بديلة مثل استخدام شرائح e-SIM من الخارج والاعتماد على شبكات الأقمار الاصطناعية مثل "ستارلينك" لتأمين الاتصال بالإنترنت. إلا أن هذه الحلول كانت محدودة بسبب التكلفة العالية والتغطية الجغرافية غير المكتملة، حيث اقتصرت على مناطق معينة قريبة من الحدود مع إسرائيل ومصر.
إعادة إعمار البنية التحتية للاتصالات في غزة
بحسب تقرير "حملة"، فإنّ عملية إعادة إعمار البنية التحتية للاتصالات في غزة ستحتاج إلى وقت طويل واستثمارات كبيرة. قدر تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة أن إعادة إعمار القطاع قد تكلف حوالي 90 مليون دولار حتى مارس/ آذار 2024. هذه التقديرات لا تشمل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تحت الأرض، والتي يصعب تقديرها بشكل دقيق بسبب خطورة الوصول إلى تلك المناطق. وتواجه إعادة بناء قطاع الاتصالات في غزة تحديات متعددة تتجاوز مجرد إعادة البنية التحتية إلى ما كانت عليه. هناك حاجة ماسة لتعزيز مرونة هذه البنية التحتية لضمان قدرتها على الصمود أمام الأزمات المستقبلية، سواء كانت ناتجة عن الصراعات المستمرة أو الكوارث الطبيعية. كما أنّ تعدد الأطراف المسؤولة عن إدارة هذا القطاع، سواء في القطاع الخاص أو على مستوى السلطات المحلية في غزة، يزيد من تعقيد عملية إعادة الإعمار. إضافة إلى ذلك، فإن القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المواد الضرورية مثل الوقود وقطع الغيار تزيد من تعقيد الجهود الرامية لاستعادة الخدمات بشكل كامل.
وكان تقرير "حملة" واضحاً في أنّ أي خطة لإعادة الإعمار يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى استثمار في تقنيات حديثة ومستدامة، مثل تقنيات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية والطاقة الشمسية لتشغيل الأبراج والمحطات. هذه الحلول قد توفر استمرارية للخدمات في حال انقطاع الكهرباء بشكل طويل الأمد، وهو ما قد يساعد في تخفيف العبء عن السكان الذين اضطروا خلال الأزمة للبحث عن مصادر بديلة لشحن أجهزتهم أو الحصول على الاتصال عبر طرق مكلفة وغير مستقرة مثل شرائح e-SIM الدولية. كما يشدد التقرير على أهمية إشراك الشركات المحلية والدولية في هذه العملية لضمان استدامة خدمات الاتصالات، إذ يجب أن تلعب المنظمات الإنسانية الدولية دورًا فاعلًا في تقديم الدعم اللوجستي والمادي لإعادة بناء الأبراج والبنية التحتية تحت الأرض. كذلك، يجب على السلطة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية تعزيز الشراكات مع هذه المنظمات وتوفير بيئة تسهل الوصول إلى الموارد اللازمة.
الحقوق الرقمية في الأزمات
النقاش حول حقوق الفلسطينيين في الوصول إلى الإنترنت يكتسب زخمًا متزايدًا على الصعيد الدولي. تقرير الأمم المتحدة لعام 2016 أكد أن الوصول إلى الإنترنت يعتبر حقًا من حقوق الإنسان الأساسية، وهو ما جرى تكراره في التقرير الحالي في ما يتعلق بسكان غزة. انقطاع الإنترنت لا يحرم الأفراد من القدرة على التواصل مع ذويهم فحسب، بل يمنعهم أيضًا من الحصول على معلومات دقيقة حول الوضع الإنساني في محيطهم، ما يزيد من حالة الفوضى والاضطراب النفسي. لذلك، يحث التقرير على ضرورة تعزيز الحماية القانونية للحقوق الرقمية، بما في ذلك الحق في الحصول على معلومات حيوية خلال فترات النزاع.
التوصيات
أوصى التقرير بضرورة إعطاء الأولوية لاستعادة خدمات الاتصالات في المناطق المأهولة بالسكان وتلك التي تستضيف النازحين. كما شدد على أهمية دعم القطاع الخاص والتعاون مع المنظمات الدولية لضمان استمرارية تقديم الخدمات، بالإضافة إلى استثمار الحلول التقنية الحديثة في مجال الطاقة المتجددة للتغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء المتكرر. علاوة على ذلك، دعا التقرير إلى تفعيل الأطر القانونية التي تحمي الحقوق الرقمية للفلسطينيين في الوصول إلى الإنترنت، خاصة في الأزمات.