لغة الأشجار... قنوات خاصة وإشارات كهرومغناطيسية

17 يونيو 2018
الأشجار تحسّ وتتألم (مات كاردي/Getty)
+ الخط -
قبل أن تمد يدك لتقطف زهرة فواحة العطر، أو تقطع ورقة شجرة جميلة، راجع نفسك مهما سحرك العطر، أو أخذتك روعة المشهد، فالأشجار تحس وتتألم، بل تصرخ من الألم لفقدان جزء حي من جسدها، حتى إنها كائنات اجتماعية لها أصدقاء وأعداء، تخاطبهم وتتواصل معهم عبر قنواتها الخاصة. تتحدث لغة متطورة، تعبِّر عن وجودها وتدافع عنه من خلال إثارة حاسَّتَي الشم والتذوُّق، تستخدم الإشارات الكهرومغناطيسية كما هو الحال عند بعض الكائنات. 
هذا جزء مما أوردته الممثلة العالمية جودي دنيش في برنامج وثائقي عرض منذ أيام في حديقة كيو بريدج شرق جنوبي لندن، تحت عنوان "جوديث دنيش، وعشقي للشجر".

دنيش حولت 6 هكتارات من فناء بيتها منذ ثلاثين عاماً لغابة أشجار، أو "عائلتها من الأشجار" كما تحب أن تسميها، وأعطت كل شجرة فيها اسماً لأشخاص مروا في حياتها، من زوجها الراحل الممثل البريطاني مايكل ويليامز، لأقاربها وأصدقائها وزملائها من الفنانين المعروفين ممن فارقوا الحياة، قالت إنها رأت في الشجر امتداداً حياً لهم.
وأظهر الفيلم، الذي حضر عرضه إلى جانبها عدد كبير من شخصيات بارزة وفنانين معروفين إلى جانب صحافيين وكتاب بريطانيين، الممثلة الإنكليزية وهي تقوم في جولة داخل عائلتها من الشجر، تلامسها بعشق وتنظر إليها نظرة من يستمع لمحاوره. وأذهلت الحضور حين استمعت لصوت شرب الشجر للماء عبر جهاز خاص وضع على جذع شجرة، صوت لا يبعد كثيرا عن صوت شرب البشر أو الحيوان للماء.

وفي حوار مع الأخصائية في علم البيئة وعلم البيئة الفطرية، لين بودي، أشارت لـ "العربي الجديد" إلى أن لنمو الشجر وأهميته وشيخوخته تأثيره الإيجابي في حياة بعض المخلوقات. وقالت "يعتقد الناس أن الأشجار المجوفة أو ذات القلوب الفاسدة أمر سيئ، ولكنها ليست كذلك، إنه أمر جيد حقًا. قد بحثت في علم البيئة لتحلل الخشب، بما في ذلك عمليات تحلل الخشب، synecology وautecology، منذ منتصف 1970، ووجدت أن وسط الشجرة يشبه الجزء الخارجي من جلدنا، الخلايا ميتة حية بالفعل. بمجرد أن يبدأ قلب الشجرة بالتعفن ، ينبت جذورها داخل جذعها للاستفادة من العناصر الغذائية التي يطلقها الفطر وكيفية ذلك في ضمان حياة مخلوقات أخرى التي تستطيع بذلك العيش فيها".



الأشجار المجوفة تقوم بإنشاء مواقع التعشيش للطيور والثدييات، ويشكل الحطام المتعفن موطنا مثاليا للخنافس واليرقات.

فمن خلال إصابة بعض أشجارنا الصغيرة بالفطريات، يساعد ذلك في تسريع عملية الشيخوخة وزيادة أعداد الأشجار المجوفة في الغابات، والمساعدة في إنقاذ أكثر أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض.

كما أن للأشجار قنوات خاصة تربطها ببعضها بعضاً، سواء تحت الأرض أو عبر إرسال رسائل لا تختلف كثيرا عن قنوات الشبكة العنكبوتية الإلكترونية، سواء كانت هوائية عن طريق الورق الميت أو البذور أو حتى الملامسة أثناء اشتداد الرياح وأحيانا تصدر أصواتا عند اصطدامها بموجات الرياح، تخبر بعضها بعضاً بالخطر القادم، سواء من الطبيعة أو الأحياء، تنقّي الجو عبر نفحات هوائية أو روائح زكية.

علم أثبته المشجِّر أو الراعي لشؤون الغابة، الألماني بيتر فوليبن، الذي كشف أهمية هذا العالم السِّري للأشجار في كتابه "الحياة السرية للأشجار". يسجل فوليبن في كتابه تجربته في إدارة إحدى الغابات بمنطقة سلسة جبال إيفيل الواقعة في شمال أوروبا، وكيف علَّمته لغة الأشجار المدهشة الكثير عنها وعن قيمة الحياة لكل من فيها ومشاركة الكل في استمرارها بشكل صحي للجماد والأحياء. ويوضح أن البحوث الشجرية الرائدة التي يُجريها العلماء حول العالم تكشف الدور الذي تلعبه الأشجار في جعل عالمنا مكانًا صالحًا للحياة.

إذا من جودي، لفوليبن، وصولا لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، التي تتحدث لصديقها الإعلامي الخبير في شؤون الطبيعة، ديفيد أتنبرو، عن مشروعٍ للحفاظ على البيئة يتمثل في زراعة شبكة كبيرة من الغابات في كل دول الكومنولث، صرخة انتباه لأهمية الشجر في حياتنا وللحفاظ عليه.
دلالات
المساهمون