إسكوبار مجدّداً: سيرة ذاتية باهتة

10 اغسطس 2018
بارديم وكروز في "بابلو المحبّ" (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
يُعتبر مسلسل "ناركوس" من أنجح الأعمال التلفزيونية المعروضة في الأعوام الأخيرة، خصوصًا في موسميه الأولين (2015 و2016) اللذين يتناولان ملاحقة عميلين من "وحدة مكافحة المخدرات الأميركية" لبابلو إسكوبار، مالك إمبراطورية خارجة على القانون في بلده كولومبيا. مع هذا النجاح، الكبير والقريب زمنيًا من الراهن، كان غريبًا الإعلان عن مشروع فيلم إسباني يتناول الشخصية نفسها أيضًا، بعنوان "بابلو المحبّ" (Loving Pablo)، الذي حقّقه الإسباني فرناندو ليون دي آرانوا (1968) عام 2017 (بدأت عروضه التجارية الفرنسية في 18 إبريل/ نيسان 2018). لكن، نظرًا إلى الأسماء المُشاركة في تحقيق المشروع، وتحديدًا بطليه خافيير بارديم وبينلوبي كروز، ظنّ كثيرون أنه سيُقدِّم شيئًا مختلفًا. هذا لم يحدث. النتيجة؟ فيلم متوسط الأهمية. ومع إطلاقه في ظلّ "ناركوس" وسيطرته على الأذهان، استُقْبل بشكل فاتر وسلبي للغاية. 

قصّة إسكوبار معروفة بسبب تناولها في أفلام وثائقية كثيرة قبل "ناركوس". لذا، فإنّ الجانب المهم في عمل يتناول سيرته كامنٌ في وجهة النظر الدرامية والفنية والتاريخية التي يحملها. مسلسل "ناركوس" امتلك رهانًا واضحًا نجح فيه إلى أقصى حدّ: من ناحية أولى، هو عمل "جريمة" يقترب من إمبراطورية إسكوبار وينخرط في مدى سطوته وتجذّر إمبراطوريته؛ ومن ناحية ثانية، هذا مسلسل ـ تحقيق يتحرّى الدقّة في تناول عملاء مكافحة المخدرات في مطاردة هدفهم، وكيفية تفلّته منهم في كلّ مرة؛ ومن ناحية ثالثة، هناك جانب "درامي" يتناول علاقة إسكوبار بعائلته، بشكل يُلمّح إلى ثلاثية "العرّاب" (1972 و1974 و1990) لفرنسيس فورد كوبولا، أهمّ مثلٍ عن علاقة رجل العصابات بعائلته. بدمج هذا كله بعضه ببعض، ظهر العمل مسليًا ومؤثّرًا عاطفيًا، نظرًا إلى امتلاكه أبعادًا مختلفة، حتى مع المشاكل المثارة حول دقته التاريخية.

في المقابل، لـ"بابلو المحبّ" وجهة نظر أو حكاية محدّدة، إذْ يروي الحكاية من منظور الإعلامية الكولومبية فيرجينيا فالّيجو (كروز)، التي تلتقي إسكوبار (بارديم) في حفلة، وتُعجب بشخصيته الأخّاذة، وترتبط بعلاقة عاطفية معه أعوامًا عديدة، وتتصادم مع عالم الجريمة الذي يترأّسه. يُمكن للفيلم، رغم عدم دقّته التاريخية، امتلاك خصوصية ما بهذا المنظور، الذي يستدعي بالضرورة أن تكون الشخصية الرئيسية فالّيجو نفسها، نظرًا إلى أن الفيلم مقتبس عن رواية من تأليفها. هذا غير حاصل، لأن فرناندو ليون دي آرانوا استسلم لغواية الزعيم الكولومبي وسطوته، فإذْ بعمله يتحوّل إلى سيرة ذاتية تقليدية عن إسكوبار، وعن حياة الجريمة المحاط بها، ما يؤدّي إلى تقليل الجانب الرومانسي الذي يجمعه بفالّيجو، وإلى افتقاد خصوصية الحكاية التي يملكها، والاقتراب أكثر إلى مقارنةٍ مع الشخصية التي تعرفها غالبية المشاهدين جيدًا بفضل "ناركوس".

هذا التنازل محاولة لدفع "بابلو المحبّ" إلى ما يعتقد صنّاعه بأنه أكثر جاذبية على المستوى الجماهيري. وهو سبب يجعل الإنكليزية لغة تنطق بها شخصياته، رغم أن صنّاعه وممثليه جميعهم إسبانيون، والشخصية الأساسية والمحيطين بها يتحدّثون الإسبانية. لكن البعد التجاري والمغازلة الجماهيرية غالبان، وهذا تحديدًا دافع إلى مقارنة حتمية وخاسرة مع المسلسل، نظرًا إلى أنه أقلّ جودة وشمولاً بالتأكيد.

صحيح أن "بابلو المُحبّ"، لو أُنجز قبل عام 2015، لم يكن ليصبح فيلمًا فارقًا أو كلاسيكيًا. هو نمطيّ في تناول "السيرة الذاتية" لشخصية ما. لكن، على الأقلّ، كان سيُستقبل بحماسةٍ أكبر من تلك التي استُقْبل بها مع إطلاق عروضه التجارية مطلع العام الجاري، وربما شمل الأمر تقديرًا لأداء خافيير بارديم تحديدًا في شخصية بابلو إسكوبار. لكن التتابع الزمني جعل الفيلم محبوسًا في ظلّ "ناركوس".
المساهمون