كيف تصنع الكنافة البلدي؟

29 مايو 2017
تقوم الشرطة بملاحقة بسطات الكنافة على الطرق الرئيسية (Getty)
+ الخط -
ما إن يوشك شهر شعبان على الرحيل، حتى تجد في شوارع الأحياء الشعبية، على امتداد المدن المصرية، من يقوم ببناء مخبز مؤقت (فرن) لصناعة الكنافة البلدي، وبيعها على قارعة الطريق. الكنفاني أو صانع الكنافة بالعامية المصرية، شخصية محببة في التراث المصري، يتلوّى بجسده النحيل غالباً، يدور بمشكاته التي تشبه مبخرة الصوفية، ليشكل خيوطاً من العجين السائل.

وعلى الرغم من استبداله بالآلات الحديثة التي تصنع المئات من الكيلوغرامات في وقت قصير، فإنه في ريف مصر والأقاليم والأحياء الشعبية، لا تزال تُقام أفران الكنافة المبنية من الطوب اللبن أو الحجر الأحمر، وهي توقد بمشاعل الكيروسين، ويرتفع الفرن عن الأرض مسافة متر ونصف المتر وله فتحة "طاقة" لإشعال النار في الموقد، وفوقه قرص من حديد الزهر أو الصلب يسميه الحرفيون "العرصة". أما أدوات الكنفاني اليدوية فهي عبارة عن إناء مثقوب بانتظام، كي توضع فيه العجينة السائلة ثم يقوم برشّها فوق صاج الفرن بطريقة دائرية لتستوي وتتماسك في دقائق.

يُحِبُّ كلّ كنفاني مُحنّك أن يوقِّع بحرف من اسمه في وسط قرص خيوط الكنافة البلدية، والتي ينثرها على صفيحة الصاج السميك الناعم والساخن، وخلال دقائق تجفُّ، ويجمعها بأصابعه المدربة ليشكّل منها ضفيرة يضعها جانباً لتبرُد قبل أن يلفّها للزبائن. ولكن لا يشتري الكنافة البلدية إلا قليل من الناس الذين يعشقون خيوطها السميكة نوعاً.

العديد من المواطنين المصريين، يُفضِّلون هذا النوع الثقيل من الكنافة (البلدي)، ويعتبرونه إحدى العلامات المهمة في هذا الشهر، إذ لا يتوافر إلا في شهر رمضان. محمد إبراهيم، موظف بالمعاش، يقول إن هذه الأفران التقليدية هي أحد الآثار القليلة الباقية من "رمضان زمان"، ولذلك، "ليس شرطاً أن نتناول هذه الكنافة البلدي، لكن رؤية هذه الأفران في الشوارع تشرح القلب، وتعيد لنا البهجة التي فقدناها". وتقول الحاجة فاطمة إنّها تنتظر رمضان خصيصاً للحصول على هذه الكنافة البلدي التي لا تراها طوال العام. أما صلاح محمود (فران) فيقول إن رمضان هو شهر الخير، والرزق فيه واسع، وإنه منذ سنوات يشارك أحد أصدقائه في بناء فرن الكنافة وإدارته، إذ يبدأ صلاح في بناء الفرن بعد إعلان دار الإفتاء أن الغد هو أوَّل أيام شهر رمضان. ولا يأتي الصباح إلا ويكون الفرن جاهزاً للعمل، إذْ يقوم صديقه بتجهيز العجين، ويقوم هو بتسوية الكنافة.

ويضيف صلاح أنَّ أهالي الحي يتفهَّمون جيداً طبيعة هذه المهنة المؤقتة، فلا يعارضون بناءها على جانب الطريق، ولا بأس من الزحام في رمضان، بل هو أمرٌ محبب للجميع. وبدوره يقوم صاحب الفرن المؤقت في آخر أيام الشهر بهدم الفرن الطيني الصغير مرة أخرى، إذْ يأتي صباح يوم عيد الفطر، ولا أثر له في الطريق.

غير أن بعض من تبقى من الكنفانية القدامى، خاصة في الطرق الرئيسية، يشتكون من مطاردة الشرطة لهم في رمضان وفرض ضرائب غير مشروعة عليهم دون مبرر، على الرغم من وجود العديد من محال الحلويات المشهورة التي تقيم أفراناً أمام فروعها ويعمل عليها عمال تابعون لتلك المحلات، ولا تتعرّض لهم الشرطة. بينما تتحجج الشرطة، بأن هؤلاء المستقلين يصنفون في دائرة الباعة الجائلين وتتم معاملتهم على هذا النحو. وبين هذا وذاك يتوقع الجميع انقراض الكنفاني البلدي وسكنى فرنه المتحف.



دلالات
المساهمون