القُرنة الجديدة… عمارة الفقراء

19 نوفمبر 2016
طبق فتحي أفكاره التقدمية في استغلال البيئة المحيطة (Getty)
+ الخط -
تشير كتابات المستشرقين والأثريين في القرن الماضي إلى أن القُرنة كانت منطقة حضرية تمتد بمنازلها الطولية من معبد رمسيس الثاني وحتى المعبد الجنائزي للفرعون ستي الأول في الجانب الشرقي من تلال طيبة. وهي منطقة تشمل القرى الموجودة حالياً وهي شيخ عبد القرنة، والساسيف، والخوخة، ودر أبي النجع، والقرنة.
أما "القرنة الجديدة" فهي القرية التي أسسها المعماري العبقري، حسن فتحي (1900- 1989). وتقع على الشاطيء الغربي لنهر النيل في مواجهة مدينة الأقصر الجديدة قرب تلال طيبة في آخر الصعيد. كانت القرى في القرنة القديمة وجوارها، كحال معظم القرى المصرية الفقيرة؛ بيوت متلاصقة بكثافة، مساحة البيوت صغيرة لتوفير أكبر مساحة من الأرض من أجل الزراعة. أما الشوارع، فهي حارات ضيقة بعرض يقل عن مترين، والبيوت بلا نوافذ تقريباً، والأرضية من الطين. والأثاث مكون من فرن لخبز العجين والنوم عليه في الشتاء ليوفر الدفء للأسرة، وبغرفة الفرن فتحة عالية لخروج الدخان حيث لم يكن الناس وقتها يعرفون المدخنة. إضافة إلى قلة ماء وحلة للطهي. مابين عامي 1946 و1952 شيد حسن فتحي القرية في منتصف الطريق بين معبد ممنون والجزيرة الموجودة على النيل على الطريق الرئيسي لمدينة طيبة الجنائزية.
فبعد اكتشاف سرقات واستيلاء متعدد على مقتنيات المقابر الملكية والفرعونية في المنطقة؛ صدر قرار بتهجير أهل المقابر وإيوائهم في مساكن بديلة. وكان من حسن طالعهم أن تولى المعماري حسن فتحي ذلك، وشيد لهم مدينة القرنة الجديدة. وكانت عبارة عن 70 بيتاً لكل واحد منها تصميم خاص به، إضافة إلى تشييد ثلاث مدارس، مستلهماً ذلك كله من العمارة الإسلامية والفرعونية. يذكر حسن فتحي: "كمهندس؛ ما دمت أمتلك القدرة والوسيلة لتوفير الراحة للناس، فأنا على يقين أن الله لن يغفر لي مطلقاً إذا رفعت درجة حرارة البيت فوق سبعة عشر درجة متعمداً".
وبالفعل طبق فتحي أفكاره في استغلال البيئة المحيطة بمنطقة التسكين الجديدة، وشيد منازل عصرية تتوفر فيها كل الاحتياجات مع جودة التهوية والتبريد والإضاءة الطبيعية. واستعان بخبرة أهل المنطقة من البنائين والعمال المهرة لتشكيل القباب المتعددة داخل المنازل. وكانت طريقة البناء سراً من أسرار النوبيين الذين احتفظوا لأنفسهم بطريقة استدارة القبة من أحجار الطوب دون إسمنت أو خرسانية. لقيت القرية شهرة عالمية، بعد أن نشر فتحي كتابه "عمارة الفقراء" يسرد فيها قصة بناء القرية وفلسفة عمارتها.
تميّزت بيوت القرنة الجديدة بأنَّها متوافقة مع البيئة، بسبب خاماتها المستخدمة وأسلوب التصميم الذيين ينتميان إلى طبيعة المكان. فالبيت يستمد تهويته وإضاءته من فناء داخلي تنفتح عليه نوافذ البيت من الداخل، لذا يقي أهل البيت من الأتربة والتيارات الهوائية، فضلاً تحقيق خصوصية البيت وحرمته بما يتوافق مع القيم الدينية والتقاليد الأخلاقية الموروثة. وكان فتحي من الذين دعوا إلى نظام تعاوني في بناء القرى، وهو تطوير لتقليد كان يسود بين الفلاحين؛ إذ كان كل فلاح يقوم ببناء بيته يلقى دعمًا ومؤازرة من الجماعة، وكان حسن فتحي يقول دائمًا: "إن فردًا واحدًا لا يستطيع بناء بيت بمفرده، ولكن عشرة أفراد قادرون على بناء عشرة بيوت".


دلالات
المساهمون