انقسامات حادة في أوبك.. وتوقعات بالإبقاء على الإنتاج

27 نوفمبر 2014
الوفد السعودي قبيل اجتماع أوبك (أرشيف/getty)
+ الخط -

انتهى وقت التكهنات وبدأ اجتماع الخلافات اليوم في العاصمة النمساوية فيينا، في مقر منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، ورغم أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد ما الذي سيتخذه وزراء "أوبك" حينما تغلق الأبواب، إلا أن هناك رهاناً كبيراً على إبقاء سقف المنظمة على وضعه الراهن دون تغيير وترك الأسعار لقانون العرض والطلب وعوامل المضاربات.
 
في لندن، حيث توجد أكبر بورصة للمتاجرة في النفط، يراهن معظم تجار العقود المستقبلية على أن المنظمة لن تتفق على أي قرار بخفض سقف الانتاج الحالي البالغ 30 مليون برميل يومياً. وتنتج" أوبك" فعلياً قرابة 31 مليون برميل يومياً، بزيادة مليون برميل يومياً فوق حصة الإنتاج الرسمية.

وحتى القلة من تجار ومحللي النفط الذين يتوقعون إجراء خفض للإنتاج في اجتماع اليوم، مثل مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي، يقولون إن أي خفض أقل من 3 ملايين برميل لن يؤثر على أسعار النفط الحالية، لأن فائض المعروض النفطي في الأسواق كبير، ومن الصعب امتصاصه في شهور.

وعلى مستوى توقعات اجتماع اليوم، قال وزير البترول المصري السابق أسامة كمال لـ "العربي الجديد" لا أعتقد أن أوبك ستخفض سقف الإنتاج خلال الفترة المقبلة".

وأضاف أن أسعار البترول ستواصل الانخفاض متوقعا وصولها إلى 65 دولارا للبرميل، ورفض كمال الإجابة عن سؤال يتعلق بمدى الأضرار التي قد تتعرض لها الدول المنتجة للنفط، حال عدم خفض الأسعار، أو الدول المستفيدة من تراجع الأسعار.

وقال خبير النفط المصري إبراهيم زهران، إن المنتجين قد يطالبون السعودية اليوم بخفض إنتاجها بنحو مليون برميل يوميا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة سيصاحبها زيادة في الأسعار، خاصة أن معظم الدراسات الاقتصادية كانت تؤكد ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الخمس المقبلة إلى نحو 100 دولار للبرميل.

وسبق اجتماع اليوم إشارات متناقضة بشأن خفض الإنتاج، فقد قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إنه يشك في أن تقرر أوبك خفض حصص الإنتاج، لدعم أسعار النفط التي هبطت نحو الثلث منذ يونيو/حزيران، ولمحت السعودية بأن من المستبعد أن تضغط لإحداث تغيير كبير في إنتاج النفط، خلال اجتماع أوبك بعد يوم من رفض روسيا التعاون في أي خفض للإنتاج، وأخذت الإمارات صف السعودية بقولها إنه لا ينبغي للمنظمة أن تنزعج إذ إن الأسعار ستستقر قريبا، كما صعدت الإمارات الضغط على المنتجين المستقلين غير الأعضاء في أوبك للإسهام في ضبط المعروض العالمي.

وعلق خبير النفط البريطاني ديفيد باتر علي التطورات بقوله لـ "العربي الجديد"، ربما تقرر "أوبك" خفض سقف الإنتاج دون تحديد حصص الخفض، من أجل إرضاء الأطراف الأخرى بشكل رمزي ودون تحديد مقدار الخفض أو حتى من سيخفض من حصته، وأن تقوم السعودية لاحقاً بإجراء خفض طفيف من جانبها.

وأضاف أن مثل هذا الإجراء سيكون بمثابة رسالة للأسواق، لكنه أشار إلى أن أي قرار ستتخذه "أوبك" لن يكون ذا تأثير كبير على الأسواق، لأن الفائض الموجود في الأسواق كبير وإن المحك الحقيقي هو طلب الأسواق في المرحلة المقبلة.

من جانبه قال محلل النفط النرويجي توربوجون كوجوس "إن التباطؤ في الاقتصادات العالمية والفائض الذي خلفته ثورة النفط الصخري من الصعب امتصاصه في شهور"، وقدر كوجوس أن يبلغ الفائض النفطي في الأسواق نحو مليوني برميل يومياً خلال النصف الأول من العام المقبل 2015، وإذا أضيف إلى هذا الفائض، التجاوزات في الإنتاج البالغة قرابة مليوني برميل يوميا، فإن الفائض الحقيقي في الأسواق سيبلغ نحو 3 ملايين برميل.

أما استراتيجي مشتقات السلع الأولية في مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي بلندن أنتوني بورشيريت، فقال إن المضاربين يبيعون العقود المستقبلية للنفط في سوق المشتقات بأسعار تقل عن 90 دولاراً للبرميل من نوعية خام برنت وتحت 85 دولاراً للبرميل من نوعية خام غرب تكساس.

وهذا يعني أن الأسواق تراهن على عدم حدوث تغيير مؤثر من اجتماع المنظمة اليوم بفيينا. ومنذ مدة تتحوط الدول النفطية، خاصة الكبرى مثل السعودية وباقي دول الخليج ضد احتمالات انخفاض أسعار النفط، وتتخذ خططاً لتعويض انخفاض الإيرادات النفطية في موازناتها. وبالتالي فهي ليست مضطرة لإجراء تنازلات تضر بحصصها الإنتاجية على المدى الطويل.

وتراهن السعودية ودول الخليج على تحسن مستويات الأسعار، مع امتصاص الأسواق للفائض النفطي تدريجياً، وتأثير انخفاض الأسعار على ربحية حقول النفط الصخري في أميركا وحقول المياه العميقة والنفط الرملي في كندا.

ويؤثر انخفاض الأسعار بشكل مباشر على ربحية الشركات التي تنتج النفط من المياه العميقة والنفط الصخري والنفط الرملي الثقيل في كندا، وبالتالي التوقعات تشير إلى أن هذه الشركات ستغلق الآبار التي تعرضها لخسائر.

يذكر أن كلف استخراج النفط الصخري تتراوح بين 60 إلى 80 دولاراً للبرميل من نوعية خام غرب تكساس. ويلاحظ أن معدلات أسعار النفط تحت عتبة 80 دولاراً لخام غرب تكساس، أدت حتى الآن إلى إنتاج نسبة 15% من آبار النفط.

وبالتالي من المعتقد أن يواصل إنتاج النفط الصخري في أميركا والنفط الرملي في كندا التأرجح، تبعاً لأسعار نفط غرب تكساس. وهنالك اعتقاد وسط محللي النفط في "مصرف غولدمان ساكس" أن النفط الصخري والرملي في كندا سيلعب دور"المنتج المرجح" خلال الفترة المقبلة، وليس إنتاج النفط السعودي.

ويقول جيفري كوري خبير السلع الأولية بمصرف "غولدمان ساكس" إن عهداً جديداً من النظام النفطي الجديد بدأ مع ثورة النفط الصخري، يذكر أن إنتاج النفط الصخري الأميركي يعادل إنتاج ليبيا.

وانخفضت حصة إنتاج "أوبك" من الإنتاج العالمي من 53% قبل 10 سنوات إلى 42%. وهذا النظام العالمي الجديد للنفط باتت له انعكاسات جيوسياسية مهمة، تطال آثارها العديد من القضايا السياسية في العالم التي تشغل بال زعماء الدول الكبرى حالياً.

 ويمتد هذا التأثير من مفاوضات الملف النووي الإيراني الجارية في فيينا إلى قضية أوكرانيا، والحرب ضد " داعش" الذي يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط التي تعد من أهم مناطق إنتاج النفط .

ورغم ان الغموض لا يزال يكتنف القرار المتوقع أن تتخذه المنظمة لإنقاذ النفط من هاوية التدهور، وعما إذا كانت أسعار النفط سترتفع فوق 80 دولاراً للبرميل. لكن يعتقد معظم خبراء النفط في لندن، أن القوى الرئيسية في "أوبك"، التي تمثلها السعودية وباقي دول الخليج ترى ضرورة أن تترك أسعار النفط لقوى السوق بعيداً عن تدخلات المنظمة، وتتحاشى بذلك الدخول في خلافات الحصص.

وحسب الخبراء، فإن السعودية لا ترغب في فتح الباب أمام مراجعة الحصص الإنتاجية، لأن هذا الباب تكتنفه العديد من الخلافات بين الأعضاء، وربما تطالب بعض الدول بزيادة حصصها وليس إنقاصها، إيران ستطالب بحصة جديدة، وهناك العراق الذي خرج منذ سقوط صدام حسين من نظام الحصص، سيطالب بحصة كبيرة؛ لأنه يخوض حرب بقاء أمام "داعش"، كما أن ليبيا ترغب في أخذ حصة جديدة، وهنالك فنزويلا التي تتحالف مع إيران وروسيا ضد أميركا، وبالتالي فإن فتح الباب أمام خفض سقف إنتاج "أوبك"ربما ينتهي إلى خلافات لا حصر لها داخل المنظمة، تدفع أسعار النفط إلى هاوية جديدة.
 
ويشير خبراء في قطاع النفط، إلى أن أي خفض تجريه المنظمة في سقف الإنتاج في اجتماع

اليوم سيكون رمزياً ولن يؤثر كثيرا على الأسعار، وحتى الآن يقول محللو أسواق الطاقة في لندن إن العامل الحاسم في تحسن أسعار النفط يعود للعوامل الأساسية المرتبطة بمعدلات نمو الاقتصاد العالمي من مستوياته الراهنة، وحسب هؤلاء فإن مؤشرات النمو إيجابية، خاصة على صعيد نمو الاقتصاد الأميركي، حيث وضعت التكهنات الأخيرة أن ينمو الاقتصاد الأميركي 3% خلال العام المقبل.

كما تراهن أسواق الطاقة على ارتفاع الطلب الصيني، حيث تعد الصين ثاني مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة. كما أن هنالك إرهاصات بخروج الاقتصاد الياباني من وهدة الركود في أعقاب خطوات "التحفيز الكمي" الأخيرة التي أقرها المصرف المركزي الياباني، هذه هي العوامل التي تراهن عليها دول الخليج والسعودية في رفع أسعار النفط من مستوياتها الحالية إلى مستوى يتراوح بين 85 و90 دولاراً للبرميل، وليس على خفض سقف الإنتاج لمنظمة "أوبك".

بهذا المنطق، تعتقد السعودية ودول الخليج أن الأفضل ترك أسعار النفط لقوى العرض والطلب، خاصة وأن هنالك تجاوزات متوقعة من بعض البلدان التي تعاني من متاعب مالية، فروسيا التي تعاني من الحظر وتنتج حالياً 10.3 مليون برميل يومياً غير مقيدة بحصة.

المساهمون