36 عاماً من ارتباط تونس بصندوق النقد: قرضان وعشرات التقارير التقييمية

19 يناير 2022
تتزايد الأزمات المعيشية في تونس (Getty)
+ الخط -

لم تكن طريق اقتصاد تونس مفروشة بالورود في علاقتها مع صندوق النقد الدولي خلال العقود الماضية، ضمن محاولات اتبعتها الدولة لتحرير اقتصادها منذ عام 1986، ببرامج رسمتها المنظمة الدولية.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، يدرس صندوق النقد الدولي القطاعات الاقتصادية لتونس، ويقدم على إثرها مجموعة من "التوصيات" لتحسين مسار المالية العامة والاقتصاد المحلي ككل.
تشمل محصلة علاقة تونس مع الصندوق، التي تجاوزت 36 عاما، قرضين ماليين وعشرات التقارير والتوصيات، وهي تبحث حاليا عن القرض الثالث، فيما يعيش الاقتصاد المحلي لهذه الدولة العربية الأفريقية تحديات طاولت تأثيراتها المجتمع المحلي.
وتتجه تونس لخوض تجربة إصلاح اقتصادية جديدة مع صندوق النقد الدولي، هذا العام، للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار، في حلقة جديدة من رحلة الاقتراض.
وبدأت تطفو على السطح بعض التسريبات من تفاصيل برنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح من الصندوق، أبرزها إعادة ضبط قطاع الوظيفة العمومية في البلاد.
وتطرح شروط أو "توصيات" صندوق النقد الدولي لتونس وغيرها من الدول العربية، علامة استفهام بشأن جدواها على الاقتصاد، بينما الظروف المعيشية والمالية العامة للبلاد، تتجه إلى مزيد من الوهن.
ويظهر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في يونيو/حزيران 1999، أن فاتورة رواتب الحكومة التونسية تشكل العقبة الرئيسية أمام تخفيض طويل الأجل في الإنفاق الحكومي الجاري، وهو الرأي ذاته الذي عبر عنه منذ أيام ممثل الصندوق في تونس.

وبحسب تقرير عام 99 "ستؤدي الزيادات في الأجور المخططة للسنوات الثلاث المقبلة، جنبا إلى جنب مع الحاجة إلى موظفين إضافيين في قطاعي التعليم والصحة، إلى الحد من نطاق التخفيض الكبير في فاتورة الأجور".
بينما اليوم، وبعد 23 عاما على هذه التوصية، قال ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، جيروم فاشيه، الإثنين الماضي، إن على تونس "الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام بإصلاحات عميقة جدا، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة، الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم".
وهذه التوصية، أو الشرط الرئيسي للصندوق كما يبدو من أجل الإقراض، هي مثال لإجراءات أخرى كان الصندوق طلبها من تونس وكررها خلال علاقتهما الممتدة منذ 1986، وأبرزها ضرورة رفع أي دعم، وإعادة توجيهه مرة أخرى للفئات الأقل حظا.
وعلى الرغم من أن الصندوق هو مؤسسة تقدم توصيات (ليست إلزامية) للدول الأعضاء حول المسار الواجب عليها اتباعه لتحقيق أفضل أرقام ممكنة، إلا أن تونس كانت تأخذ في غالبية التوصيات الواردة من جانب طواقم الصندوق لضمان الحصول على قروض.
إلا أن رحلة الجانبين تمخض عنها أحد أكثر المعايير التي تظهر نجاح السياسات المالية والنقدية والاقتصادية المتبعة، وهو الدين العام.
في عام 1990، بلغ إجمالي الدين العام المستحق على تونس، 5.9 مليارات دولار، بحسب البيانات التاريخية للبنك الدولي حول تونس، وصعد إلى 16.69 مليار دولار مطلع الألفية الجديدة.

وسجل الدين العام حتى نهاية عام 2010، نحو 25.64 مليار دولار ثم ارتفع إلى 31.42 مليار دولار في 2012، وهو العام الذي وجدت تونس نفسها في أزمة شح سيولة.
وحتى نهاية 2020، بلغ إجمالي قيمة الدين العام المستحق على تونس، أزيد من 92 مليار دينار (32 مليار دولار)، قبل أن يصعد إلى 35.6 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
وفي ذلك العام (2012)، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي تقدمت به تونس، حصلت على إثره على قرض بقيمة إجماليها 1.74 مليار دولار يقسم على شرائح، لمدة عامين اثنين.
وشملت الإصلاحات المطلوبة من تونس في ذلك القرض، تشديد السياسة النقدية (رفع أسعار الفائدة)، وزيادة مرونة سعر الصرف، وخفض تكلفة الدعم، وتوسيع القاعدة الضريبية، وإصلاحات أخرى مرتبطة بضبط التعيينات الحكومية.
وبدأ الصندوق صرف القرض اعتبارا من عام 2013، فيما أجل في أكثر من مناسبة صرف شرائح متبقية من القرض لتونس، عن مواعيدها المحددة، مبررا ذلك بالاضطرابات التي تشهدها البلاد.
بينما في عام 2016، أعلن صندوق النقد الدولي، عن التوصل لاتفاق مع تونس على برنامج قرض جديد بقيمة 2.88 مليار دولار، يستمر على مدار 4 سنوات.
وتوجه تونس إلى صندوق النقد الدولي هذا العام للحصول على القرض الثالث، يأتي بينما نسب البطالة تعتبر الأعلى منذ عام 2011، والدين العام عند ذروته التاريخية، فيما تشهد البلاد ارتباكا سياسيا بسبب إجراءات أحادية للرئيس قيس سعيد، بدأها منذ يوليو/تموز 2021.

وبعد 6 سنوات من القرض الأخير، تتجه تونس إلى أبواب الصندوق للحصول على 4 مليارات دولار جديدة، مقابل إصلاحات، في غالبها تمس المجتمع المحلي، كتجميد التوظيف في الحكومة وتجميد الأجور، وتوسيع الضرائب، وإعادة جدولة أي دعم على سلع أساسية.
لكن هذه الإصلاحات لو نالت موافقة "النقد الدولي"، فإنها ستبقى مبتورة، لحاجة تونس إلى ثقة الدول المانحة للقروض من جهة والمستثمرين الأجانب من جهة أخرى، بينما لا تتوفر حاليا شروط الاستقرار السياسي.
وترفض غالبية القوى السياسية في تونس إجراءات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابا على الدستور". 

(الأناضول)

المساهمون