عادت قضية استرجاع الأموال المنهوبة لتتصدر واجهة الأحداث في الجزائر خلال الأيام الأخيرة، بالموازاة مع انطلاق أولى محاكمات ما بات يُعرف في الجزائر بـ"العصابة"، التي تضم رؤساء حكومات ووزراء، بالإضافة إلى رجال أعمال محسوبين على نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
تسعة أشهر مرت على انطلاق عملية واسعة لمحاربة الفساد مع اندلاع شرارة الحراك الشعبي، سقط خلالها أكثر من 15 وزيراً و22 رجل أعمال، بالإضافة إلى 5 جنرالات في المؤسسة العسكرية، بعد اتهامهم بالثراء غير المبرر.
ومن بين قضايا الفساد المطروحة، تمويل الحملة الانتخابية لبوتفليقة مقابل الحصول على صفقات ومشروعات حكومية، حيث كشفت إجراءات إحدى المحاكمات، التي انعقدت أمس السبت، عن تفاصيل تتعلق بالطريقة التي كان يتم بها التجهيز لتمرير العهدة الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، قبل أن يحبط الحراك الشعبي ذلك، بعد اندلاع مظاهرات عارمة في البلاد منذ 22 فبراير/ شباط الماضي.
واعترف علي حداد، زعيم الكارتل المالي في عهد الرئيس المستقيل، بمساهمته في التمويل الخفي للحملة الانتخابية، مقابل الحصول لاحقا على مشاريع وصفقات وإعفاءات جمركية على حساب القانون والخزينة العمومية، ما أثار تساؤلات واسعة حول حجم الأموال التي تربحها رجال الأعمال المقربون من النظام السابق خلال فترات ماضية والمكاسب المشبوهة التي جنوها.
ورغم التحقيقات المكثفة التي تقوم بها العدالة الجزائرية عقب فتح العديد من ملفات الفساد، إلا أن ملف استرجاع الأموال المنهوبة لم يتعد خطوة إحصاء الممتلكات والأرصدة البنكية.
يقول عبد المجيد متليلي، المحامي المختص في القضاء الدولي، إن "العملية لا تزال في المرحلة الإدارية، أي على مستوى العدالة التي تقوم بعملية جرد الأموال وفق اعترافات المتهمين وتصريحهم بممتلكاتهم وممتلكات عائلاتهم، أيضا عبر المعطيات التي تصل إلى العدالة من السفارات الجزائرية في الخارج التي تحوز على عناوين سكن المتهمين كونها المكلفة باستخراج وثائق المعنيين".
ويشير متليلي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة الإسراع في إجراءات حجز وتجميد ممتلكات وأموال المتهمين بالفساد، لمنع عائلاتهم من التصرف في الأموال والممتلكات المهربة وتحويلها إلى ما يعرف بدول "الجنات الضريبية" التي تستقطب الأموال غير الشرعية وتقوم بتبييضها وتوظيفها في بنوكها.
ورغم وجود ترسانة من القوانين التي تسمح للجزائر بإطلاق مسار استرجاع الأموال المنهوبة، يستبعد المحامي نجيب بيطام استرجاع هذا الأموال خلال السنوات المقبلة، إذ يرى أن "الطريق القضائي والقانوني طويل، وأن الدول التي تربطها مع الجزائر اتفاقيات في هذا الشأن لا يمكن أن تسحب أموال المسؤولين الجزائريين المودعة لديها إلا بأمر قضائي".
ويدعو بيطام إلى "إيجاد سبل أخرى لاسترجاع الأموال، منها الوصول إلى تسوية مع المتهمين، مقابل إعادة الأموال المنهوبة"، مشيرا إلى صعوبة تتبع مسار هذه الأموال المنهوبة، خاصة إذا تم تهريبها إلى مناطق ودول الملاذات الضريبية.
وحسب فرحات علي، الخبير المالي، فإن "التحقيقات في جرائم الفساد ستطول، لأن الجرائم الاقتصادية متعلقة بالصفقات العمومية والمبالغ المالية الضخمة، وهذا يحتاج لخبرات اقتصادية وتقنية طويلة حول المشاريع المنجزة".
ويقول علي لـ"العربي الجديد"، إن "أغلب الأموال المنهوبة تم تهريبها للخارج، واسترجاعها يحتاج أولا إلى تحديد حجمها والدول الموجهة إليها، إذ لا يمكن أن نجري وراء شيء لا نعرف ما هو".
لكن مبارك سراي، الخبير الاقتصادي، يؤكد "ارتباط الجزائر بأكثر من 460 بنكا دوليا كبيرا، وبقوانين واتفاقيات ومنظمات دولية، بما يساعد عمليا على استعادة نسبة من الأموال، وبالتالي ستكون للجزائر فرصة استعادة ما بين 30 و40 في المائة من أموالها المهربة، خاصة عن طريق البنوك الكبرى التي تتعامل معها، والتي يمكن أن تستجيب لطلبها بهذا الخصوص".
ويلفت إلى أن الكثير من الأموال يتعذر الوصول إليها، فهناك حيل اعتمدها الناهبون في تحويل الأموال من خلال استعمال طرق قانونية ملتوية يصعب كشفها، مثل استعمال أسماء أولادهم وأقاربهم وأصدقائهم في المعاملات المالية.
وفي رده على سؤال بخصوص المدة الزمنية التي ستستغرقها العملية، يتوقع سراي أن "يأخذ استرجاع الأموال وقتا طويلا، على اعتبار أن العملية تمر عبر عدة مراحل وعدة جهات، بداية من الإجراءات القضائية والإجراءات الدبلوماسية، والتي تشمل المنظمات المالية المختصة في البحث عن مراكز الأموال، لنصل إلى مرحلة إعادة الأموال، وهو ما قد يستغرق بين عامين إلى خمس سنوات وربما أكثر".