سينوء الرئيس الجديد المرتقب تحت ثقل الإرث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تركه الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.
وإذا كانت الأولويات السياسية تتمثل في إطلاق قطار الإصلاحات بتعديل الدستور وحل المؤسسات المنتخبة، فإن الأولويات الاقتصادية تبدو متراكمة وبنفس القدر من الأهمية والاستعجال لحلها، في وقت لا تزال المؤشرات كلها باللون الأحمر، وتنذر بسنوات عجاف في انتظار الجزائريين.
وما يجعل هامش تحرك أي رئيس ما بعد "عهد بوتفليقة"، ضيقا، شح الموارد المالية، واستعجال المواطنين لإيجاد حلول لحالتهم المعيشية ليواجه الفائز بالانتخابات 3 ملفات مهمة وصعبة وهي كبح الإنفاق، وحماية جيوب المواطنين، وبعث الاقتصاد عبر زيادة النمو.
كبح الإنفاق
إذا كانت هناك نقطة تخلق الإجماع بين الجزائريين، اليوم، فهي صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، منذ بداية انهيار أسعار النفط، ما أدى إلى لجوء الحكومات المتعاقبة إلى السحب من احتياطي النقد الأجنبي، وطباعة الأموال، من أجل تغطية العجز.
الرئيس القادم سيكون أمام حتمية كبح الإنفاق العام، فالدولة تحتاج سنويا إلى ما بين 60 و65 مليار دولار حتى تسير في ظروف عادية، وهي وتيرة صعبة، في ظل شح الموارد المالية.
في السياق، يقول وزير المالية الأسبق، عبد الرحمان بن خالفة، إن "الجزائر تحتاج إلى 63 مليار دولار سنويا كإنفاق، منها 17 مليار دولار موجهة لدعم الأسعار والخدمات، و20 مليار دولار ميزانية التسيير (رواتب العمال ومصاريف الوزارات)، والباقي يوجه لميزانية التجهيز، أي المشاريع الكبرى والاستثمار الحكومي".
وأضاف الوزير الأسبق لـ"العربي الجديد" أنه بعملية حسابية بسيطة، نجد العجز بمليارات الدولارات وبالتالي سيكون هناك ذهاب لاحتياطي الصرف، الذي فاقت سرعة تبخره توقعات الحكومة، ثم المرحلة الثانية الاستدانة الخارجية.
وكانت احتياطات صرف الجزائر قد تراجعت إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.28 مليارات دولار في أربعة أشهر، حسب بيانات رسمية.
حماية الجيوب
لعل أكثر ما ينتظره الجزائريون من رئيسهم القادم، هو ما يحمله من حلول لإطفاء نار المعيشة التي كوت جيوب المواطنين المنهكة من غلاء الأسعار وضعف المداخيل، فمتوسط دخل الفرد من الطبقة الوسطى يتراوح بين 20 ألف دينار (176 دولارا) و40 ألف دينار شهريا (334 دولارا)، مقابل مصاريف تتعدى، حسب آخر دراسة للديوان الجزائري للإحصاء الحكومي، 70 ألف دينار (619 دولارا) شهريا لأسرة من 5 أشخاص.
وفي السياق، يقول المواطن، عمر زغيش، لـ"العربي الجديد" إنه "استمع للمرشحين في الحملة الانتخابية، ولم يسمع أي وعد واضح يمس الطبقة الوسطى أو حتى الفقيرة، فكل ما قيل هو عموميات، كحماية القدرة الشرائية، لكن دون توضيح الآليات".
وأضاف أن "المتسابقين نحو قصر المرادية، لم يتحدثوا مثلا عن الضريبة على الدخل العام، التي تقتطع مباشرة من أجور العمال، لا أحد من الخمسة يقترح مثلا خفضها أو خفض الرسم على القيمة المضافة المقدر بـ 19 في المائة، وهي أمور تهم المواطن وينتظرها".
من جانبه، قال الموظف، جلول خدوش، إن "برامج المرشحين لخلافة بوتفليقة، لم تحمل تصورا واضحا لتحسين معيشة المواطن، أو تصورا لإنقاذ الدينار الذي فقد بريقه منذ سنوات".
إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أن "المرشحين في الحقيقة لم يقدموا ورقة طريق واضحة لكيفية حماية قدرة المواطنين الشرائية، فالأمر ليس مرتبطا بالراتب والأسعار، بل بمنظومة اقتصادية كاملة، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الرواتب والتضخم في اقتصاد غير منتج ويعيش بعائدات النفط فقط".
وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد"، أن "القدرة الشرائية لا يمكن رفعها بين ليلة وضحاها، بل تتوج مسارا متكاملا فيه إصلاح اقتصادي ومالي، والقضاء على الأسواق الموازية."
بعث الاقتصاد
2.4 في المائة هي نسبة النمو التي استقر عندها الاقتصاد الجزائري في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، حسب أرقام البنك الدولي، ما يترجم حجم الركود الذي أصاب الأسواق في السنوات الأخيرة.
وحسب الخبير الاقتصادي ومدير مكتب الاستشارات التجارية الدولي، مبارك سراي، فإن "قضية بعث اقتصاد يخلق الثروة نجدها في جميع برامج المرشحين، بل وحتى برامج بوتفليقة، وبالتالي القضية ليست وعودا نظرية بل المطلوب طرح واقعي قابل للتطبيق وإرادة سياسية.
وأضاف سراي لـ"العربي الجديد"، أن بعث الاقتصاد يحتاج أولا لتغيير القوانين المنظمة للاستثمار، وتهيئة المناخ لجذب رؤوس الأموال، دون "تسييس الفعل الاقتصادي" مثلما حصل في عهد بوتفليقة.