تعتزم الحكومة العراقية ترميم المناخ الاستثماري عبر تسهيلات جديدة ستطرحها خلال الفترة المقبلة للقطاع الخاص في المشاريع المتوسطة وطويلة المدى، بعد التحسن النسبي في الملف الأمني في بغداد والمدن العراقية التي تم تحريرها أخيرا من تنظيم "داعش".
وكشف مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن أن الحكومة ستقدم، خلال الفترة المقبلة، حزمة مغريات وتسهيلات لتشجيع المستثمر الأجنبي والمحلي على حد سواء، مبينا أن الخطة تهدف إلى تخفيف الضغط على الدولة في ملف الإعمار والتطوير، خاصة بالمدن المحررة التي تعرضت لدمار كبير.
وأوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن بغداد تطمح إلى تحقيق نموذج جذب استثماري ناجح، مشيراً إلى انفتاح تركي إيراني كويتي أردني على العراق في هذا المجال أكثر من الدول الأخرى.
وحول أبرز الامتيازات أو التسهيلات الجديدة، قال المسؤول: "ستشمل إعفاءً ضريبياً على المستثمرين، وتعهدات بتوفير أجواء أمنية ملائمة، وتوجيه الدوائر الحكومية بعدم تأخير إنجاز أي معاملات تتعلق بأعمال المستثمرين المحليين وأخرى للمستثمرين الأجانب على وجه التحديد".
يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد المطالب في عدد من المحافظات العراقية تهدف إلى تطبيق قانون نقل الصلاحيات من الوزارات الاتحادية إلى الحكومات المحلية بالمحافظات، بهدف التخلص من الحلقات الزائدة والروتين فيما يتعلق بمشاريع البنى التحتية وتنظيم عمل المؤسسات والدوائر الخدمية بالمحافظات، بهدف جلب الفرص الاستثمارية إلى مدنهم، وتقديم الخدمات إلى المواطنين لامتصاص غضبهم واحتجاجاتهم المعيشية المتكررة.
وكان البرلمان قد أقر، العام الماضي، قانون رقم 21 الذي يتضمن توسيع صلاحيات الحكومات المحلية للمحافظات العراقية الثماني عشرة، من بينها ممارسة سلطة تنفيذية على المؤسسات الحكومية من دون العودة إلى الحكومة المركزية في بغداد، لتجاوز التعقيدات الاستثمارية.
وقال الباحث الاقتصادي فؤاد محمد لـ"العربي الجديد"، إنّ "نقل الصلاحيات إلى المحافظات وفك ارتباطها بالمركز، هو فرصة لتطوير مدنهم ويزيد إقبال رؤوس الأموال عليها، خاصة أنّ مدن العراق الجنوبية تتمتع باستقرار أمني مقارنة مع المدن الأخرى".
وأوضح أنّ "مدن البصرة وذي قار وميسان تمتلك موقعا جغرافيا يستقطب الكثير من الاستثمارات بسبب الثروة النفطية الكبيرة التي تملكها".
ومن جانبه، قال النائب عن لجنة الخدمات البرلمانية، برهان المعموري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "واقع الاستثمار في العراق بصورة عامة لا يرتقي إلى المستوى المطلوب، ولن يتوفر إذا لم توجه الحكومة الاهتمام الكافي للأمن في كل المحافظات العراقية"، وأكد المعموري أنّه لا يمكن أن يتم تنمية الاقتصاد العراقي ومعاجلة المشاكل المالية إذا لم تذهب البلاد إلى الاستثمار أسوة بالدول الأخرى، لتوفير العمل والمشاريع".
وكانت المطالب الأبرز للعراقيين في الاحتجاجات في مختلف المحافظات التي تواصلت على نحو متقطع منذ التاسع من يوليو/تموز الماضي، توفير فرص عمل للعاطلين، وتحسين مستوى الخدمات والمعيشة.
وأصدرت وزارة التخطيط العراقية تقريراً حديثاً، بيّنت فيه أنّ نسب الفقر ارتفعت في المدن التي احتلها تنظيم "داعش" لتصل إلى 41%، بعدما لم تكن تتجاوز 20% قبل ذلك. وأوضحت أنّ نسبة الفقر في محافظات جنوبي العراق بلغت 31.5%، كما ارتفعت في محافظات الوسط وبغداد وإقليم كردستان العراق (شمال) بنسب متفاوتة.
ومن جهته، قال عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية، النائب سلام المالكي، لـ"العربي الجديد": "يجب أن تكون هناك بيئة جاذبة، وتوفير وضع أمني وبني تحتية جيدة"، مشددا على أن تحديث التشريعات أكبر حافز لطمأنة المستثمر.
وأشار المالكي إلى أنّ البصرة من أرقى الأماكن التي يمكن استغلالها في الجانب الاستثماري، لوجود الموانئ والنفط. كما تحتوي على أساسيات للحياة، وبها أماكن حدودية مع ثلاث دول مهمة، فضلا عن وجود كثير من الأمور المهمة الأخرى.
لكنه قال: "المستثمر عندما يأتي إلى هذه المحافظات يصطدم بكثير من الإجراءات، سواء بالروتين والبيروقراطية، أو في جانب المنتفعين على رأس السلطة في مجالس المحافظات وإداراتها، إذ يساوم بعضهم المستثمر على دفع النقود والرشاوى من أجل إنهاء الإجراءات.
وأكد أنّ "كل ذلك أثّر على عمل المستثمر، ما تسبب في إضاعة كثير من الفرص الاقتصادية بمغادرة الساحة الجنوبية والبصرة، بالتحديد"، داعيا الحكومة إلى فتح أبواب أوسع من خلال تفعيل قانون الاستثمار، أو العمل على توفير قنوات جاذبة لرؤوس الأموال، ولا سيما في ميناء الفاو بمشروعات النقل والإنشاءات.