ديون الشركاء تكبح نفط السودان رغم رفع الحظر الأميركي

02 يوليو 2018
انفراج أزمة الوقود قبل أيام (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

 العقوبات الأميركية وانفصال جنوب السودان وتدني الأسعار عالمياً .. ثالوث متلازم وتبريرات جاهزة تدفع بها الحكومة السودانية ووزارة النفط والغاز ما بين الحين والآخر في وجه كل من يستفسر عن مسببات أي انخفاض يحدث في الإنتاج النفطي بالسودان.

نفس التبريرات ساقها وزير النفط والغاز الجديد، أزهري عبدالقادر، في تدني وتراجع الإنتاج النفطي بالبلاد من 500 ألف برميل في اليوم قبيل انفصال الجنوب عام 2011 إلى 125 ألف برميل يومياً ثم إلى 72 ألف برميل فقط، بينما كانت الحكومة قد أعلنت العام الماضي بلوغ الإنتاج نحو 100 ألف برميل يومياً.

مصادر وثيقة الصلة بملف النفط، طلبت عدم ذكر اسمها لأنها غير مخولة بالتحدث إلى الإعلام قالت لـ"العربي الجديد" إن وزير النفط أغفل في مسبباته الثلاثة، سببا آخر هو الأهم، وهو ديون شركاء النفط من الشركات الأجنبية الكبرى العاملة في مجال استخراج واستكشاف النفط في البلاد، والتي أسهمت في حدوث تدني في الإنتاج للشركاء وتراجع استثماراتهم وأموالهم التي يضخونها لتطوير الحقول التي يعملون بها كرد فعل طبيعي لتراكم مستحقاتها لدى الحكومة.

وكانت وزارة النفط والغاز قد أعلنت في مايو/أيار2017 عن تدني إنتاج النفط في البلاد إلى 29 ألف برميل يوميا، وعزت الأمر آنذاك إلى خفض الشركات العاملة في المجال لميزانياتها إثر هبوط أسعار الخام عالمياً.

وقال صلاح وهبي، مستشار وزير النفط في حديث لـ العربي الجديد" إن الحل الوحيد أمام الحكومة هو البحث عن قروض ورؤوس أموال وجذب استثمارات معتبرة لتمويل قطاع النفط وزيادة الإنتاج والاستكشافات وتطوير الحقول والسعي للإيفاء بالالتزامات المالية لشركاء الإنتاج وفقا للاتفاق المشترك بينهم، للعمل على حفزها لزيادة إنتاجها في الحقول والمربعات التي تنقب فيها.

وكانت شركة "أو إن جي سي"، وهي من كبريات شركات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الهند، قد أعلنت في وقت سابق من العام الجاري عن رفعها دعوى تحكيم ضد حكومة السودان أمام محكمة في لندن لاسترداد مستحقات متراكمة خاصة ببناء خط أنابيب ومبيعات الخام لعامي 2016 و2017 تبلغ قيمتها 98.94 مليون دولار.

وسارعت وزارة النفط عبر وزير الدولة سعدالدين البشرى، للكشف عن بدء التفاوض الفعلي بين السودان والشركة حول استحقاقاتها لدى الحكومة.

وقال البشرى لـ "العربي الجديد"، في وقت سابق، إنه التقى بقيادة الشركة إبان زيارة للهند، وتم التباحث حول استحقاقاتها، مشيرا إلى إبداء قيادة الشركة تفهما كبيرا للأوضاع الراهنة التي يمر بها السودان، حيث أعلنوا رغبتهم للاستمرار وعدم الانسحاب من العمل في البلد، ووعدوا بإيقاف إجراءات التحكيم فور التوصل لاتفاق على سداد مستحقاتهم مع وزارة المالية السودانية. وقال الوزير "لا ننكر حقوق الشركة الهندية على الحكومة وسنجلس مع وزارة المالية للاتفاق معها على رؤية محددة للإيفاء بمستحقات الشركة".

وبحسب وزير النفط الأسبق محمد زايد عوض، فإن مستحقات الشركة الصينية لدى الحكومة يبلغ نحو ملياري دولار، وللشركة الماليزية حوالي 300 مليون دولار، مشيرا إلى أن حجم الديون المتراكمة في قطاع النفط تتسبب في عزوف المستثمرين عن الاستثمار في القطاع.

وقال "كثيرا ما تشتري الحكومة بالدين من الشركاء لسد العجز، وبعد ذلك تقولوا لهم تعالوا استثمروا!"، مشيرا إلى محاولات وزارة المالية لإيجاد معالجة لمسألة مستحقات الشركاء.

لكن إسحاق جماع رئيس لجنة النفط في البرلمان القومي، رأى أن تدني أسعار النفط عالميا أدى إلى عزوف المستثمرين عن الاستكشاف والإنتاج ليس في السودان وحده، وإنما في الكثير من البلدان.

وقال جماع لـ"العربي الجديد" إن تطوير الحقول وزيادة الإنتاج يتطلب ضخ أموال ضخمة، خاصة أن الاحتياج اليومي للمصافي وحدها من النفط يصل إلى 110 ألف برميل، منها 100 ألف برميل لمصفاة الجيلي في الخرطوم و10 آلاف برميل لمصفاة الأبيض.

وأشار إلى لجوء الحكومة لشراء نصيب الشركاء لتشغيل المصفاة من دون سداد استحقاقاتها المالية بالدين إلى أن تراكمت ديون الشركاء والتي تسبب فيها قيام الحكومة بعد انفصال الجنوب باقتراض جزء من خام الشركات المنتجة ليتم تكريره بجانب نصيب الحكومة من الخام لمقابلة الاستهلاك المحلي المتزايد، ثم اضطرت بعد ذلك بسبب تراجع الإنتاج إلى اقتراض كامل حصة الشركات دون الالتزام بسداد المستحقات منذ قرابة ثلاثة أعوام.

ولفت إلى أن هذه السياسة أدى إلى لجوء الشركة الهندية "أو إن جي سي" للجوء للتحكيم وفقا لاتفاقية قسمة الإنتاج المبرمة بين الأطراف والتي نصت على أحقية المتضرر اللجوء إلى التحكيم في حال عدم التوصل لاتفاق على جدولة الدفعيات وحدث تراكم للطلبات.

وقال رئيس لجنة النفط إن اللجنة طالبت الجهات المختصة بالإسراع في سداد الدفعات المستحقة على شركات النفط بما فيها الشركة الهندية لإيقاف التناقص في الإنتاج والذي تلعب ديون الشركات دوراً رئيسا فيه.

وأشار إلى أنه تم مطالبة وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بتدبير تمويل للمشاريع لتحسين إنتاجية النفط واعتبارها أولوية، في التمويل تجنبا للأضرار التي يسببها تناقص الإنتاج من أزمات كالتي حدثت مؤخرا في المشتقات النفطية، والتي أثرت على القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية والخدمية وأدت إلى شلل شبه كامل في مفاصل الاقتصاد.

وتنفس الشارع السوداني والقطاعات الاقتصادية الصعداء بانفراج أزمة المشتقات النفطية في الأيام الأخيرة من يونيو/حزيران الماضي، واختفاء ظاهرة الطوابير الممتدة أمام محطات الوقود التي لازمت مختلف مناطق البلاد خلال قرابة شهر ونصف الشهر.

وأثرت أزمة الوقود الأخيرة، التي تعتبر الأقوى والأطول من نوعها منذ تولي الحزب الحاكم السوداني السلطة في عام 1989، على العديد من القطاعات الحيوية، ومنها الزراعة ونقل السلع والمواصلات، وتسببت في ارتفاع أسعار المحروقات في السوق الموازية بشكل كبير.

وجاء انفراج الأزمة، إثر استئناف المصفاة النفطية الرئيسية في البلاد عملها، بعد توقفها مؤخرا للصيانة الدورية التي تتم مرة كل 330 يوما، وفق تصريحات مسؤولين حكوميين وفاعلين في قطاع النفط. وكان سعر البنزين قد وصل في السوق الموازية إلى خمسة أضعاف السعر الرسمي، ليقفز إلى 250 جنيهاً للغالون (13.9 دولارا) مقابل 27 جنيها (1.5 دولار).

المساهمون