إيرادات أكبر ميناء عراقي تذهب للأحزاب والمليشيات

10 ابريل 2018
الفساد يلتهم إيرادات ميناء أم قصر(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
باتت إيرادات "أم قصر"، أكبر الموانئ العراقية حجما، مهددة، بسبب عمليات فساد كبيرة أدت لإهدار جزء كبير من إيراداته. ووفقا لما كشفه مسؤول عراقي بارز في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، تسيطر مليشيات مسلحة وأحزاب سياسية على الميناء المطل على مياه الخليج العربي في البصرة (جنوب)، وتفرض إتاوات على البضائع الواردة أو الصادرة.
وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إن الحكومة تحاول "فك أسر الميناء والقضاء على الفساد فيه".

وحسب تقارير رسمية، تقع على عاتق هذا الميناء مهمة توفير غالبية المواد الغذائية للبلاد، فضلا عن السيارات والمواد الإنشائية والاستهلاكية المختلفة.
ومن جانبه، قال مسؤول حكومي بارز لـ"العربي الجديد"، إن "إدارة ميناء أم قصر أعلنت أنه حقق إيرادات مالية بلغت 44 مليار دينار (نحو 40 مليون دولار) خلال عام 2017، لكن الحقيقة أنه حقق أكثر من 100 مليون دولار على أقل تقدير، استولت على نسبة كبيرة منها الأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة التي تسيطر على الميناء".

وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن هناك تلاعبا بالجمارك وعمليات وزن البواخر ونوع البضاعة وعدم تسجيل سفن كاملة تدخل الميناء، فضلا عن إتاوات يأخذها مسؤولون من التجار، وفي حالة عدم الدفع تتأخر عملية تسليم البضائع حتى تتلف.
وتابع: "تجاوز الفساد الخطوط الحمراء، لدرجة أن كل رصيف من أرصفة الميناء يكون باسم جهة سياسية أو جماعة مسلحة، فنجد رصيفا لحزب الدعوة، وآخر لحزب الفضيلة، وثالث لحزب الله العراقي، بالإضافة إلى سيطرة مليشيات العصائب على أرصفة، وعلى التاجر أن يدفع مبالغ لهم، وإلا فإن بضاعته ستتلف داخل السفن".

وأكد المسؤول أن الشرطة في الميناء والجمارك متواطئون بسبب أنهم شركاء في الفساد ويتقاضون عمولة، مشيراً إلى خضوع بعضهم لتمرير شحنات بشكل غير قانوني خوفا من تهديدات المليشيات لهم بالقتل.
وميناء أم قصر المشيّد عام 1930، ظل محافظا على مكانته طيلة العقود التي أعقبت إنشاءه، إلا أن الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1991 عقب غزوه الكويت، أدى إلى تراجع أهميته وبروز دور موانئ أخرى مطلة على مياه الخليج العربي، مثل دبي والدوحة وعبادان وغيرها.

والداخل إلى ميناء أم قصر يجب عليه أن يسمع مصطلحات غريبة قد لا تعرفها غالبية العراقيين، ومنها "سيطرات ضوئية وسيطرات ترابية وسيطرات غازية"، والمصطلحات الثلاثة تعني، كما يقول علي الزبيدي، وهو مالك شركة نقل في البصرة: "إنها مكان استلام الرشوة لتمرير البضاعة".
وأضاف الزبيدي لـ"العربي الجديد"، أن المليشيات التي تمثل الأحزاب والتيارات المختلفة تستخدم إشارات في ثلاثة أشكال مختلفة، الأول ليلا ويتم فيه استخدام المصباح اليدوي للإشارة إلى سائق الشاحنة الخارجة من الميناء أو الداخلة له بالوقوف ويؤخذ منه مبلغ مالي بالعملة العراقية المحلية حسب نوع البضاعة، وبعدها يمنح قصاصة ورق صغيرة تعرف باسم تسهيل أمر ليتم إنجاز مهمة السائق بالوصول إلى الميناء سريعا دون الاضطرار للوقوف في طابور طويل مفتعل من الشاحنات.

والإشارة الثانية تتمثل في السيطرات الترابية وتتم بعد أن يقوم المسلحون أو الأحزاب بقطع الطريق الرسمي للميناء ما يضطر السائقين للنزول إلى التراب حيث يسلكون طرقا أخرى للوصول إلى الميناء وهناك يتم أخذ إتاوة منهم.
والإشارة الثالثة السيطرة الغازية وتقع قرب محطة الغاز وهذه بيد مليشيات العصائب وحزب الله.

ووفقا للزبيدي، فإن تعدد جهات أخذ الإتاوات أضر بالتجار كثيرا، كما ألحق خسائر باهظة في إيرادات الدولة، لافتا إلى أن من لا يدفع عليه أن ينتظر 13 يوماً أو أكثر.
ورفض مسؤولون في الميناء التعليق على الموضوع. ومن جانبه، أوضح النائب في البرلمان العراقي عبد السلام المالكي لـ"العربي الجديد"، أن "موضوع المنافذ الدولية للعراق من أخطر واجهات الفساد في البلاد".

وأوضح المالكي أن هناك أحزابا وقوى سياسية مختلفة وجماعات مسلحة تسيطر بشكل مباشر على المنافذ الحدودية وتقوم بجباية الأموال والرسوم الجمركية بدلاً من الجهات المختصة.
وأشار إلى أن هناك جهات تحولت إلى عصابات منظمة تستخدم ما تحصل عليه من تلك المنافذ في عملية تمويل دعايتها الانتخابية.
وتابع أن هذه القوى والكتل السياسية وبعض الأطراف "المتنفذة" قامت أخيرا بتقاسم المنافذ في ما بينها، ما جعلها تجني مليارات الدنانير سنوياً من الإيرادات.

وفي سياق متصل، كشفت هيئة النزاهة في محافظة البصرة الأسبوع الماضي، عن تمكنها من ضبط مخالفات وحالات تجاوز على المال العام في ميناء أم قصر، مؤكدة في بيان، أنها تعمل على وقف تلك الحالات، ومنع استمرار حالات التجاوز. وأشارت إلى ضبط حالات إدخال سيارات للميناء دون دفع رسوم جمركية، فضلا عن وجود تقارير مزورة.


المساهمون