"موسم صيد الحيتان"... إطلاق حملة عراقية لملاحقة الفاسدين

19 سبتمبر 2017
خلال تحرّك ضد الفساد في العراق (Getty)
+ الخط -

بدأت السلطات العراقية، بعد ثلاث سنوات من الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، حراكاً خجولاً لمكافحة الفساد، مستهلة العمليات باعتقال محافظين ومسؤولين حكوميين تمكّن بعضهم من الهروب خارج البلد، في ما أطلق عليه مراقبون اسم "موسم صيد الحيتان".

وبحسب مركز "إنجاح للتنمية الاقتصادية"، فإن الأموال المنهوبة خلال 13 سنة الماضية بلغت 312 مليار دولار، من موازنات البلاد التي بلغت 800 مليار دولار. 

وإلى جانب محافظ صلاح الدين، الواقعة إلى شمال بغداد، والمتهم باختلاس الأموال العامة، أوقفت هيئة النزاهة العراقية التابعة لرئيس الوزراء، مدير الخطوط الجوية العراقية، على الرغم من أنه مدعوم سياسياً، في إشارة إلى رغبة السلطات في القضاء على هذه الظاهرة.

وبحسب تقرير الشفافية العالمي، يعتبر العراق واحداً من البلدان الأكثر فساداً في العالم، ويحتل المركز 166 في قائمة من 176 دولة بعلامة 17 من مائة.

ويندد العراقيون منذ سنوات بالإهمال المالي الذي يدمّر البلاد ويفكّك هيكليتها الأساسية، على الرغم من الاستثمارات بمليارات الدولارات.

وخلال الأشهر الأخيرة، لم تعد المسألة الأمنية، على الرغم من وجودها الدائم، مسيطرة على المساحة السياسية في البلاد، وبالتالي أودع العديد من المسؤولين السجن.

ففيما أقيل محافظ الأنبار من منصبه، ويواجه محافظ بغداد السابق تهماً بالفساد، وبعدما فرّ محافظ البصرة خارج البلاد، تمكن المدير العام للتجهيزات الزراعية، المتهم باختلاس 26 مليون دولار، من الفرار من سجنه في بغداد، قبل أن يعاد القبض عليه في منفذ على الحدود الإيرانية، بعد تواطؤ من نائب سابق.

ويتظاهر العراقيون أسبوعياً للمطالبة بإنهاء المحاصصة السياسية التي أقرّها كبار قادة الأحزاب الحاكمة للبلاد منذ 13 عاماً، واختيار وزراء تكنوقراط، وتعديل قانون الانتخابات وفتح ملفات عمليات الفساد التي ارتكبتها أحزاب كبرى.

يقول جاسم الحلفي، وهو من قيادات الحراك المدني ضد الفساد في العراق "تصاعدت أخيراً وتيرة كشف ملفات بعض الفاسدين ومحاكمتهم، على الرغم من أنها تبدو حتى الآن وتيرة متواضعة لا ترتقي إلى الحد الأدنى من الطموح، بعدما أصبح الفساد ظاهرةً مستشرية، وترسخت أقدام الفاسدين في أهم مراكز الدولة ومؤسساتها".

وأضاف "طبيعي أن الملاحقات القانونية ما زالت تستثني حيتان الفساد، ويبقى كبار الفاسدين وحلفاؤهم من التجار والسماسرة ومنظمي الصفقات والمشاريع الوهمية، بعيدين عن إطارها. ولكن إذا بقيت وتيرة الملاحقة الحالية على حالها فستلحق بالحيتان مهما حاولوا الالتفاف والتملّص".

ويؤكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "بدأنا حملة جدية ضد الفساد مشابهة للحملة التي أطلقناها ضد الإرهاب".

لكن مع ذلك، فإن حرب الشفافية تعتبر تحدياً كبيراً للعراق الذي يعاني من فساد ألقى بظلاله على الخدمات وأنهك البنى التحتية في مقابل ثراء فاحش للأحزاب التي تقاسمت السلطة منذ 13 عاماً.

ويشير خبراء إلى أن الفساد في العراق ليس إلا وسيلة للمحافظة على التوازن في تقاسم السلطة والملفات بين مختلف الأحزاب منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003.

ويقول المحلّل السياسي، إحسان الشمري، لوكالة "فرانس برس" إن "أكثر الأحزاب تنظر إلى مؤسسات الدولة كمصدر لتمويل نشاطها السياسي"، مشيراً إلى أن "المحاصصة هي من ثبّت مفهوم التسويات السياسية التي كانت غطاء لحماية الفاسدين".

وصرفت الحكومات العراقية السابقة نحو 40 مليار دولار على قطاع الطاقة الكهربائية خلال السنوات الماضية ولا يزال البلد يعاني من نقص حاد فيها.

كذلك صرفت الحكومة مئات ملايين الدولارات على أجهزة لكشف المتفجّرات تبين لاحقاً أنها لا تعمل، في بلد دمّرته الهجمات الدامية.

ونشر أحد الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنخلة يتسلقها عدد كبير من الأشخاص، وكتب قائلاً "هكذا تسلق ساسة الفساد إلى ثمر وخيرات بلدي، فمنهم من سرق وهرب؟ ومنهم من لا يزال يسرق؟ ومنهم من ينتظر دوره بعد إشباع حيتان الفساد".

ويشير المحلل السياسي والخبير القانوني طارق المعموري لـ"فرانس برس" إلى أن "العبادي تسلّم السلطة قبل ثلاث سنوات. جاء مع مجيء داعش وسيطرته على البلاد، وضرب الفاسدين في المستوى الكبير في تلك الفترة كان ليؤدي إلى بلبلة لا يحتملها البلد".

(العربي الجديد)

المساهمون