"ذا غارديان" عن "أرض الحليب والمال": قطر تحوّل نقمة الحصار لنعمة

21 أكتوبر 2017
مزرعة بلدنا تتجه لتغطية الحاجة القطرية (معتصم الناصر/العربي الجديد)
+ الخط -
يصل جون دور إلى مطار حمد الدولي الضخم والفاخر في العاصمة القطرية الدوحة لاستقبال الرحلة القادمة في الساعة الثامنة مساء من لوس أنجليس عبر لييج في بلجيكا. من سيستقبلهم السيد دور ليسوا من العائلة ولا الأصدقاء، وليسوا بشراً على الإطلاق، بل قطيع مؤلف من 120 بقرة، هكذا تستهلّ صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تقريرها المطوّل حول كيفية مواجهة قطر الحصار عليها منذ أشهر، وتحويله من نقمة إلى نعمة.

تقول الصحيفة "قد لا يبدو مزارع من مقاطعة كو كيلدار الأيرلندية والبالغ من العمر 58 عاماً شخصية محورية في النزاع المريع بين دول الخليج، لكن بصفته الرئيس التنفيذي لمزرعة "بلدنا" المترامية الأطراف في الصحراء القطرية على بعد 60 كيلومتراً شمال الدوحة، يعتبر السيد دور لاعباً أساسياً في كسر قطر للحصار"، مضيفة عن خطط كسر قطر الحصار المفروض عليها من قبل كل من السعودية ودولة الإمارات العربية والبحرين ومصر.  

ويتابع التقرير أن الأمن الغذائي "أصبح هدفاً أساسياً لبلد يواجه مقاطعة برية وبحرية وجوية فرضتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين في يونيو/ حزيران، وذلك في سياق نزاع جيوسياسي طويل ومتشعب، مر باتهامات لها بتمويل الإرهاب واستضافة كأس العالم ودعم الإخوان المسلمين وبناء علاقات مع إيران".

وترى الصحيفة أن مسألة ما إذا كانت قطر تستطيع تحمل المقاطعة، تشكل تحدياً لاقتصادها المزدهر سابقاً، وتتساءل عما إذا كانت قادرة على مقاومة ليس الحصار المادي فحسب بل أيضاً سحب الاستثمارات المالية من جانب الجيران السعوديين والإماراتيين. قبل أن تخلص إلى القول "لكن المشهد العمراني الشامخ في الدوحة يشير إلى أن قطر ليست دولة تقبل أنصاف الإنجازات وأنها قادرة على مقاومة الحصار".

وتقوم الشركة الأم لمزرعة "بلدنا" في قطر، وهي شركة الطاقة الدولية القابضة، بإنفاق كثير من المال في هذا التحدي. وكانت قطر تعتمد سابقاً على السعودية في معظم إمداداتها من الحليب، وكان عليها في بداية الحصار الاعتماد على كرم من تبقى من حلفائها الإقليميين، لا سيما تركيا وإيران. ولكن الآن يقوم الأيرلندي دور باستيراد الأبقار من الولايات المتحدة بأسرع ما يستطيع، كما يخطط لاستكمال قطيعه الحالي البالغ 4000 رأس، والكفيل بتغطية 30% إلى 40% من سوق الحليب في قطر لتلبية كامل احتياجات قطر. وينتظر السيد دور وصول 10 آلاف رأس أخرى حتى الصيف المقبل. وهو ما يكفي لتلبية احتياجات سكان البلاد البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من الحليب، وفق ما تقول الصحيفة.

وحسب التقرير، يتم حالياً نقل آلاف الأبقار إلى حظائرها الخاصة ضمن أقبية عملاقة، حيث ما يزال اللحامون يستكملون تشييد السور. كذلك يتم تبريد الحظائر بمراوح عملاقة وبخاخات مياه تخفف من الحرارة الخانقة والرطوبة.

وتتلقى الأبقار أطعمة جافة ويتم حلبها ميكانيكياً عن طريق آلات دوارة شديدة التطور تعمل على مدار 24 ساعة. كذلك توجد صالة تتيح للأسر القطرية مشاهدة عملية الحلب. وفي أماكن أخرى من المكان الشاسع الممتد على مساحة 70 هكتاراً (173 فداناً)، تقوم عشرات الحفارات بتسطيح المنطقة التي تستعد لاحتضان مزيد من حظائر الماشية، يتابع التقرير.

وتنقل الصحيفة عن السيد دور قوله "لقد كانت المقاطعة ذات فائدة عظيمة لقطر بطريقة ما". ويضيف "تسببت بيقظة في جميع أنحاء البلاد، فجعلتهم يدركون حجم الفرص المتاحة لهم، وليس فقط في المزارع ولكن كذلك في المجالات الأخرى. ونحو 80% من الأغذية كانت تأتي في السابق من جيران قطر. أحياناً تحتاج البلدان إلى الحرب أو التهديد بالحرب لكي تستفيق على مسألة الأمن الغذائي وأهميته". 

ويشير دور إلى أن "السعودية هي التي تضررت من الحصار. فحين يرفع الحصار سيكون هناك كثير من الفخر والشعور القومي القطري الذي سيدفع الناس لشراء الحليب القطري، لا السعودي. أعتقد أن البيئة بأكملها ستتغير تماماً. التحدي الذي بين أيدينا هو إنتاج ما يكفي من الحليب. إذا تمكنا من إنتاج ما يكفي فإن أهل قطر سيشترونه".

ويقول السيد دور إن مزرعته ستكون أكثر إنتاجية من المزارع السعودية، إذ تبلغ نسبة العمالة شخصاً واحداً لكل 75 بقرة في السعودية، مقابل واحد لكل 45 بقرة في قطر. كما أن أبقاره ستقف أيضاً على فرش مطاطية، حيث ستقوم كاشطات آلية بإزالة فضلاتها. وأضاف "سننتج ما يكفي من السماد لجعل قطر خضراء".

ويمثل الاكتفاء الذاتي مجرد اختبار لقدرة قطر على تحمل الحصار وربما الخروج بعده أقوى مما كانت عليه، إذ تستعد لاستقبال عشرات آلاف الزوار لكأس العالم 2022.

أما بالنسبة لاحتياطيات البلاد الضخمة من المال، تقول الصحيفة، فقد تلقى الاقتصاد ضربة في البداية، إذ شهدت الأشهر القليلة الأولى سحباً كبيراً للودائع الرأسمالية. وقد قام مصرف قطر المركزي وصناديق حكومية الأخرى بضخ ما يقرب من 38.5 مليار دولار (29.2 مليار جنيه إسترليني) من احتياطيات البلاد البالغة 340 مليار دولار في الاقتصاد الوطني لتخفيف الضغط على سعر الصرف وتخفيف أثر سحب الاستثمارات. ولكن الوضع يسير بشكل جيد حالياً. 

التحديات الاقتصادية لا تزال قائمة وبعضها يعود إلى ما قبل المقاطعة، لكن يوسف محمد الجيدة، رئيس هيئة مركز قطر للمال، يقول للصحيفة إن المنطقة بأكملها تضررت. ويضيف: "كانت دول مجلس التعاون الخليجي المكان الأكثر أماناً على كوكب الأرض. لكن سمعتها تغيرت كثيراً بالنسبة للعالم. وتوجب على كثير من الشركات إعادة تحديد سجلات المخاطر الخاصة بها".

ويرى أنه "القطاع المالي القطري استقر الآن، وساعدت الموانئ الجديدة، وخاصة في عمان، في تقديم الخدمات اللوجستية، واستبدال ميناء جبل علي في دبي... وسواء بأزمة أو بدون أزمة، كان هذا التباطؤ في النمو صحياً في هذه المرحلة".

ويضيف الجيدة: "على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية كنا أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. نحن نتحدث عن اقتصاد بلغ حجمه 6 مليارات دولار في عام 2000 وبلغ 200 مليار دولار عام 2015. لكن لم يتغير شيء جوهري. حتى الآن لم نفوت شحنة واحدة من الطاقة. وحاولت دول الحصار إجبار الشركات على الاختيار بينها وبين قطر لكنها تراجعت".

وتنقل الصحيفة عن علي شريف العمادي، وزير المالية القطري، قوله إنه "ليس سراً أننا ضخينا سيولة في الاقتصاد الوطني. كان ذلك تدبيراً وقائياً، ولكن يمكن التأكيد الآن أن السوق قادر على امتصاص كل هذه الأخبار السيئة. من حيث سيولتنا وعُملتنا، نعتقد أن السوق الآن مستقر جداً".

ويتابع "إذا نظرت إلى الشهر الثاني من الحصار، عاد الميزان التجاري ــ الواردات والصادرات ــ تقريباً إلى مستويات ما قبل الأزمة. لمدة شهر واحد عانينا من انخفاض بنسبة 40% في الواردات، ولكننا اكتفينا بسرعة. لقد تحول البلد بأسره في أقل من شهر، وبدلاً من الاعتماد على مجموعة واحدة من البلدان أصبحت لدينا الآن إمكانية الوصول إلى أكثر من 80 بلداً. وقد انخفض التضخم في أسعار الغذاء. وعلى الرغم من كل الألم الناتج عن تفكك العلاقات الشخصية والأسرية ونسيج مجلس التعاون الخليجي، إلا أن المقاطعة فتحت الباب لكثير من الفرص الاقتصادية للاقتصاد. انظر فقط إلى السياحة والقطاع الصحي والأمن الغذائي".

وقال الجيدة، "لقد اتخذت دولة قطر أصعب الخطوات قبل 20 عاماً. فقد كانت تستثمر مع الشركات العالمية في الغاز المسال وفي صناعات النفط والغاز وغيرها من المرافق. إكسون موبيل كانت تعمل هنا قبل 20 عاماً، وليس قبل عامين. في ذلك الوقت كان من الصعب جداً دعوة الشركات الأجنبية للاستثمار في مواردنا الطبيعية، حتى ثقافياً كان يصعب تبرير ذلك. لقد حققنا استثمارات كبيرة في التعليم".

وتخلص الصحيفة إلى القول إنه "الآن تدفع المقاطعة الماركة القطرية إلى مزيد من الانفتاح، وإلى تحرير قوانين الإقامة الدائمة، وإلغاء متطلبات التأشيرة لـ80 دولة، وتخفيض الإيجارات إلى النصف بالنسبة لكثير من الشركات. كذلك تهدف الخطة المقبلة إلى تحويل البلاد إلى المكان الأكثر جاذبية للشركات الراغبة في التجارة مع الكويت وإيران والعراق وباكستان وعمان". لتنقل عن الجيدة قوله "إنها حقبة جديدة، ونحن مصممون على تحويل ما حدث من نقمة إلى نعمة".

دلالات
المساهمون