ضغوط المعيشة تُنهي عهد التونسيين مع الادخار

27 سبتمبر 2016
لجأ أغلب المواطنين إلى مدخراتهم بسبب الأسعار (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -


"كنت أحتكم إلى دفتر ادخار فيه ما لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار قبل خمسة أعوام، لم يتبق منها الآن إلا خمسون دولارا، هي مسك ختام الحساب المصرفي. لا أظن أني سأتمكن مجدداً من توفير أموال مجدداً في ظل هذا الغلاء". هكذا يلخص المواطن التونسي، عدنان (سائق تاكسي)، حاله بعد أن بدد ارتفاع كلفة المعيشة أحلامه بتكوين رصيد متواضع يجابه به سنواته القادمة.
ويعد عدنان مثالا لآلاف التونسيين ممن أجبرتهم الظروف المعيشية على التخلي عن عادة الادخار ولو بمبالغ متواضعة، بالرغم من أن الادخار العائلي يحظى بمكانة مهمة في الثقافة الاقتصادية للتونسيين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية.

ويمثل الادخار العائلي، وفق بيانات رسمية، ربع الادخار الوطني في تونس، وهو ما قد يمثل آلية جيدة لتمويل الاقتصاد، غير أن هذه النسبة تعرف تراجعاً متواصلا نتيجة الضغوط المعيشية وعدم مواكبة زيادات الدخل عموماً، لأسعار أغلب المواد الاستهلاكية التي قفزت بنسبة لا تقل عن 40% في السنوات الخمس الماضية.
ويرتفع مجموع الإيداعات بمختلف أشكالها حتى نهاية عام 2013 إلى 42.575 مليار دينار، (20.273 مليار دولار)، مقابل 34.879 مليار دينار في عام 2010.

ويحمل خبراء الاقتصاد، المصارف التجارية جزءاً من تراجع الادخار العائلي، معتبرين أنها لم توفّق بالقدر الكافي في التسويق لأغلب الخدمات الادخارية المستحدثة، مما ولد عزوفا لدى عملائها وتأمين أموالهم في حسابات تدر عليهم بعض الأرباح.
ويعتبر الخبير الاقتصادي مراد الحطاب في تصريح لـ "العربي الجديد"، الادخار ظاهرة اقتصادية واجتماعية تمكن من تكوين احتياطي يفيد الاستثمار والإنتاج والتشغيل، كما يتيح خلق الثروة الثابتة ويزيد في كمية العمل المنتج إضافة إلى دعم النمو.

ويشدد الحطاب على أهمية استعادة مكانة الادخار في الثقافة الاقتصادية الاجتماعية، مشيرا إلى ضرورة استحداث أشكال جديدة من الادخار تفهم واقع ونفسية المدخر التونسي.
ويجزم الخبير الاقتصادي، أن سلوكيات المدخرين في تونس تخضع إلى حد كبير، لعوامل وثيقة الصلة بالاستهلاك وتطور الدخل، يضاف إلى ذلك تأثير عوامل أخرى على غرار التوقّي من الأزمات والهزات النقدية والمالية التي تخفض من الأموال المرصودة للادخار بشكل ملموس، وفق دراسة أنجزها في الغرض ذاته.

ويشير الحطاب، إلى أن الادخار يعرف في السنوات الأخيرة بداية تأرجح، مقارنة بالدخل القومي، حيث تناهز نسبته حاليا نحو 15.2%، مقابل أكثر من 21% من إجمالي الدخل القومي في عام 2011، وهو ما يطرح أسئلة حول سلوك التونسي استهلاكا وادخاراً، ودور الحوافز المشجعة، إضافة إلى ظاهرة اكتناز الأموال واستخدامها خارج المنظومة المالية، وفق قوله.
وبالرغم من تعدد الإمكانيات التي تتيحها البورصة لصغار المدخرين عبر الادخار في الأسهم، لا يزال الادخار العائلي لدى جل التونسيين مرتبطا بذلك الدفتر الذي تصدره بعض المصارف، أو البريد التونسي، فيما تبقى ثقافة الادخار في الأسهم شبه منعدمة.

وتشير بيانات كشفتها بورصة تونس إلى أن حوالي 59 ألف تونسي فقط لهم آسهم في سوق الأوراق المالية المحلية، أي ما يقارب 0.6% من التونسيين.
ويؤكد مدير عام البورصة بلال سحنون، على أن هناك مجالا مهماً يمكن للتونسيين استغلاله وتوظيفه في البورصة، وهو حساب الادخار في الأسهم، مشيرا إلى أن هذا الصنف من الادخار له إضافة كبيرة بشهادة صندوق النقد الدولي.

وشدّد سحنون في تصريحات إعلامية على أهمية الامتيازات الضريبية المهمة التي يمكن من خلالها للراغب في فتح هذا الصنف من الحساب الحصول عليها من خلال أهمية الخصم على المورد، وبالتالي إمكانية أن يكون دخله السنوي أكبر بكثير.
وتستهدف الخطة الخماسية الجديدة (2016 -2020) زيادة قدرة تمويل البورصة للاقتصاد الوطني من 9% حاليا، إلى 20% بحلول 2020 .

في المقابل، يفسر الخبير المالي معز الجودي، قلة الإقبال على الادخار، بضعف نسب الفائدة، مشيراً إلى أن النسب التي تقدمها المصارف غير مشجعة، وهو ما يرفع من نسبة المال المكتنز والمتداول خارج الدورة الاقتصادية.
ولفت الجودي، بحديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن تراجع الادخار أدى إلى نقص تمويل الاقتصاد من الجهاز المصرفي الذي يتغذى على ودائع العملاء، في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد التونسي لكل إمكانياته التمويلية.

وتقوم تركيبة الادخار في تونس على ثلاثة مكونات، أولها ادخار الأفراد والعائلات، الذي يستخدم إجمالا لاقتناء المحلات السكنية وتجهيزها، كما يستعمل في أغراض التوظيف المالي، ويمكن أن يتم اكتنازه في بعض الحالات، وهو يشكل ربع الادخار الوطني، فيما يتمثل الصنف الثاني من فوائض ميزانيات المنشآت الحكومية، ويهم الصنف الثالث ادخار المؤسسات.



المساهمون