العقوبات الأميركية تعوق الصفقات وتثير استياء الإيرانيين

23 مارس 2016
الرئيس الإيراني، حسن روحاني (فرانس برس)
+ الخط -
بعد أكثر من شهرين على الانتهاء المفترض للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، تتنامى خيبة الأمل بسبب قلة الصفقات التجارية في ظل عزوف البنوك الأجنبية عن تسوية المعاملات.

وتتلاشى الآمال الإيرانية في إنهاء العزلة الاقتصادية في ظل تخوف البنوك الأوروبية بشكل خاص، وقد سبق بالفعل أن غرمت الولايات المتحدة بعضها بسبب انتهاك العقوبات، من مخالفة القيود الأخرى الكثيرة التي مازالت تفرضها واشنطن.

ويتهم المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الولايات المتحدة بالمماطلة في أعقاب بدء التنفيذ الرسمي للاتفاق النووي مع القوى الرئيسية في يناير/كانون الثاني الماضي.

وقال خامنئي في خطاب بثه التلفزيون الإيراني، الأحد الماضي: "الأميركيون لم يفوا بوعودهم ورفعوا العقوبات على الورق (فقط)"، مبدياً استياءه من أن المعاملات المالية الدولية تواجه مشاكل، لأن البنوك "خائفة من الأميركيين".

ورفعت بالفعل عقوبات عديدة مرتبطة بالبرنامج النووي عندما بدأ في 17 يناير/كانون الثاني تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته طهران العام الماضي مع قوى غربية، وشمل الرفع إجراءات فرضها الاتحاد الأوروبي وقواعد تسمح للسلطات الأميركية بملاحقة الشركات الأجنبية والأفراد المتعاملين مع إيران.

وصاحبت ضجة كبيرة الإعلان عن عدد من العقود الكبيرة، حيث كانت إيران تأمل أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى حركة تجارة واستثمار بمليارات الدولارات، مما سينعش الاقتصاد ويرفع مستوى معيشة الإيرانيين. لكن لم تتدفق مبالغ كبيرة حتى الآن.

فمازالت البنوك الأميركية ممنوعة من العمل مع إيران، ورغم أن ذلك الحظر لا يشمل البنوك في أماكن أخرى، فإن مشاكل كبيرة تظل قائمة من أخطرها القواعد التي تحظر تسوية معاملات الدولار - عملة الصفقات التجارية الرئيسية في العالم - من خلال النظام المصرفي الأميركي.

ويرى مجتمع الأعمال الإيراني أن الولايات المتحدة لم تعلن بالضبط ما المسموح وغير المسموح به، مما أدى إلى عدم التيقن الذي يجعل البنوك العالمية مترددة في تسوية المعاملات المرتبطة بإيران.

وقالت فريال مستوفي، رئيسة مجلس إدارة مجموعة كيه.دي.دي الإيرانية الخاصة لإدارة المشاريع: "ينبغي أن نحاول الضغط على أميركا لتوضيح هذا الأمر، وإلا فإن رفع العقوبات لا يعني أي شيء".

وأضافت أن كيه.دي.دي النشطة في قطاعات مثل الحديد والصلب والتعدين لاحظت تنامي اهتمام الشركات من الخارج، لكن دون إبرام صفقات حتى الآن.

ورأت مستوفي، التي ترأس أيضاً لجنة الاستثمار بغرفة التجارة الإيرانية، أنه "إذا ظل الوضع المصرفي على ما هو عليه اليوم فسنواجه بالتأكيد مشكلة في المدفوعات".

ويشكو الإيرانيون المقيمون في دبي الإماراتية، وهي تاريخياً أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإيران، من عجزهم عن استخراج خطابات الائتمان لتمويل الصفقات، في حين تعرض آخرون لغلق حسابات مصرفية لشركاتهم في الأسابيع الأخيرة.

وتعقد المشاكل أيضاً خطط إيران لبيع مزيد من النفط واستعادة أصول بأكثر من 100 مليار دولار مجمدة في حسابات مصرفية خارجية بسبب العقوبات.

قلة الصفقات

أبرمت إيران، منذ يناير/كانون الثاني الماضي، اتفاقيات تقدر قيمتها بخمسين مليار دولار مع دول من بينها إيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وألمانيا وغيرها تشمل التجارة وتمويل المشاريع واستثمارات أخرى.

وتتضمن الاتفاقيات عقداً لشراء 118 طائرة إيرباص قيمتها 25 مليار دولار. لكن التمويل الضروري لتحويل الاتفاقيات إلى صفقات مؤكدة ليس بالأمر السهل.

وأبلغ مسؤول تنفيذي بإيرباص مؤتمراً في باريس، الشهر الماضي، أن "البنوك تدير ظهورها لنا في الوقت الحالي" وقال موجهاً حديثه لهم: "لا تخافوا!".

ومازالت البنوك محجمة بسبب غرامة تسعة مليارات دولار فرضت على بي.ان.بي باريبا عام 2014 لانتهاك العقوبات المالية الأميركية وغرامات أخرى. وكان رئيس اتحاد البنوك الفرنسي قد قال إن البنوك تظل بحاجة إلى تطمينات بشأن "الأمان القانوني الكامل والوضوح".

اقرأ أيضاً: مصارف العالم تخشى التعامل مع إيران بسبب الحرس الثوري

وسيكون الحصول على هذه التطمينات صعباً ما دامت واشنطن تبقي على حظر تسوية المعاملات الدولارية لإيران في النظام المالي الأميركي.

وقال جورج بوث من مكتب المحاماة بنسنت ميسونز: "إلى حين رفع العقوبات الأميركية، فإن البنوك الأوروبية التي لها أعمال كبيرة في الولايات المتحدة، وهي كثيرة، ستظل خاضعة لقيود تجارية مرهقة ما لم تثبت الانفصال الكامل بين أقسامها الأوروبية والأميركية".

وأضاف بوث، الذي يقدم المشورة للشركات الراغبة في العمل مع إيران: "الكلام عن هذا أسهل من القيام به. ينبغي عدم الاستهانة بمستوى إعادة الهيكلة الداخلية المطلوب لاستيفاء هذا المعيار".

وقال سيد آرش شهر آييني، نائب المدير التنفيذي لصندوق ضمان صادرات إيران، إن البنوك الصغيرة هي المستعدة حتى الآن للمشاركة، مشيراً إلى أن المعاملات لا تزيد عن 50 مليون دولار.

وتابع: "بعض المبالغ الصغيرة مرت، لكن المبالغ الضخمة مازالت تستلزم مشاركة البنوك الأجنبية الكبيرة التي كانت تعمل في المشاريع الإيرانية قبل فرض العقوبات، وهي ما زالت مترددة في استئناف العمل مع إيران".

وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، أعادت جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) ربط عدة بنوك إيرانية مما سمح لها باستئناف التحويلات الخارجية مع البنوك الأجنبية بعد أربع سنوات من فصلها عن الشبكة.

ورغم أهمية الخطوة لإعادة دمج إيران بالنظام المالي العالمي، فإن النتائج تبدو متفاوتة حتى الآن. وقال مصدران مصرفيان إن معظم البنوك العالمية ما زالت ترفض قبول الشيكات من أصحاب الحسابات ببنك تجاري إيراني كبير أعيد ربطه بالشبكة.

وألقى علي سنجنيان، الرئيس التنفيذي لشركة سرمايه أمين، أكبر بنك استثمار إيراني باللوم في تأخر إعادة دمج البنوك الإيرانية على العقوبات المتبقية ومخاوف البنوك والتكنولوجيا القديمة المستخدمة في إيران.

وقال مصرفي دولي مقيم في المنطقة إن عزوف بنكه عن المعاملات الإيرانية لم يتغير. وأوضح أن "نحو 85% من التجارة بالدولار الأميركي، وإذا كنت تتعامل بالدولار، فلا يمكنك تعريض ذلك للخطر عن طريق العمل مع إيران".

وقال جيمس كيدويل، الرئيس التنفيذي لمجموعة برايمار للشحن البحري: "رغم تخفيف الموقف، مازال من غير الواضح عندما تتداول مبالغ بالدولار الأميركي ما إذا كان النظام المصرفي سيحتجزها.. من المرجح أن البعض يفضل التعامل باليورو تفادياً لتلك المشكلة".

واستطاعت إيران بيع النفط إلى الهند ومشترين آخرين باليورو. وأبلغت الشركاء التجاريين المدينين لها بمليارات الدولارات أنها تريد تقاضيها باليورو، وفق مصدر من شركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة.



اقرأ أيضاً: البنوك الأوروبية تتردد في العودة إلى إيران

المساهمون