نقص السيولة يحاصر المستثمرين في أسواق المال الكبرى

08 يونيو 2022
المستثمرون لا يجدون تمويلات كافية لصفقات الأسهم (getty)
+ الخط -

يحاصر نقص السيولة المستثمرين في أسواق المال الكبرى، خاصة سوق "وول ستريت" في نيويورك التي خسرت القيمة السوقية للشركات المسجلة للتداول فيها نحو 9 تريليونات دولار منذ بداية العام الجاري، حسب بيانات السوق المالي الأميركي.

وهذا الرقم قريب جداً من الخسائر التي تكبدها السوق في مارس/آذار العام 2022، حينما شارفت البورصات على الانهيار بسبب جائحة كورونا وقبل أن يتدخل بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي بضخ التريليونات الدولارية وشراء السندات المنهارة.

ويرى رئيس قسم الأبحاث في شركة "غولد موني" الأميركية، السادير ماكلويد، في تغريدة يوم الأثنين على تويتر أن، مستوى السيولة في السوق يقترب من مستواه في مارس/آذار 2020، وهو الشهر الذي انهارت فيه أسواق المال العالمية وهددت بحدوث أزمة مال عالمية.

وتواجه دول كبرى نقصا في السيولة، وهذه الدول كان يعتمد عليها في التمويل إلى جانب الولايات المتحدة، وعلى رأسها الصين التي تواجه فجوات تمويلية ضخمة تقدر بنحو تريليون دولار، حسب تقديرات بنك نومورا الياباني.

ويرى "نومورا" أن بكين ستحتاج إلى إصدار سندات دين خلال العام الجاري لتمويل النمو الاقتصادي بسبب الإغلاقات التي سببتها جائحة كورونا. كما أن اليابان تواجه أزمة في خدمة ديونها التي ارتفعت إلى 12 تريليون دولار، وباتت تهدد بهروب السيولة من الين الياباني المتراجع إلى السوق الأميركي. وفي بريطانيا هنالك فجوة تمويلية تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار.

من جانبه يرى بنك التسويات الدولية، الذي يراقب البنوك المركزية وسياسات المال في العالم، أن التحول في مسار السياسة النقدية العالمية أدى إلى تأثير سلبي على الاستثمار في الأصول الخطرة والبورصات العالمية.

وحذر بنك التسويات الدولية في تقريره الأخير من أن العالم يواجه أزمة نقص بالسيولة، بسبب ارتفاع حجم الديون العالمية وتشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية، وما يهم في أسواق المال هو حجم السيولة المتاحة للمستثمرين في الأسهم.

ويبدو أن الحاجة الضخمة لتسوية الالتزامات المتصاعدة في الديون العالمية ترفع من الطلب على القروض من قبل الشركات والدول في آن معاً، حيث إن حجم الدين العالمي بات يعادل 3 أضعاف الناتج المحلي العالمي.

ويرى محللون أن أزمة جفاف السيولة تعود إلى أربعة أسباب رئيسية، وهي أولا ارتفاع معدل الفائدة الأميركية، وزيادة سعر صرف الدولار الذي يعد ماكينة الاقتراض والتمويل الرئيسية في أسواق المال العالمية، وثانيا حاجة الدول في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة للاقتراض بمعدلات أعلى عما كان موضوعاً في الميزانيات قبل مفاجأة أزمات ارتفاع دعم السلع الغذائية وأسعار الوقود في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات التي فرضت على الشركات الروسية ومؤسساتها المالية.

أما العامل الثالث الذي يفاقم من أزمة السيولة فهو ناتج عن تراجع البنوك التجارية الأميركية الكبرى عن التمويل وتقديم القروض لشركات الوساطة التي تتاجر في البورصات وللاقتصادات الناشئة وشركاتها.

في هذا الشأن، قال مستثمرون كبار ورجال مصارف في الولايات المتحدة لصحيفة " فاينانشيال تايمز" البريطانية إن السيولة في السوق الأميركي باتت في أسوأ أوضاعها منذ بداية العام 2020، وإن مديري الاستثمار في "وول ستريت" يواجهون صعوبات في تمويل صفقات بيع وشراء الأسهم ".

وتتفادى البنوك الأميركية في الوقت الراهن الاستثمار في السندات التي تبلغ آجالها 10 سنوات أو أكثر من ذلك بسبب المخاطر الجيوسياسية.

من جانبه يقول المسؤول بصندوق التحوط الأميركي، "ميس ملتي استراتيجي"، مايكل إدواردز: "المصارف الأميركية لا ترغب في وضع سيولتها في الأسهم والسندات، وبالتالي فهي الآن عازفة عن تمويل صفقات الشراء او البيع في سوق وول ستريت".
يذكر أن المخاطر الجيوسياسية أدت إلى خسارة الأسواق الناشئة نحو 5 تريليونات دولار خلال العام الجاري بسبب الهروب الاستثماري.

وأزمة السيولة في المصطلح الاقتصادي هي انعدام " النقود الكاش" في الحسابات المصرفية، أو انعدام الأصول المالية التي يمكن تحويلها إلى سيولة في وقت قصير.

وهنالك مخاوف أن تقود أزمة السيولة إلى تخلف الحكومات والشركات العالمية عن تسديد أقساط الديون وتشعل أزمة إفلاسات تكون لها انعكاسات خطيرة على أسواق المال والبنوك التجارية الضعيفة والاقتصادات الناشئة.

وكان بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي، قد حذر في تقريره نصف السنوي الأخير من النقص في السيولة. وقال البنك إن "أوضاع السيولة تتدهور في الأسواق المالية بسبب الحرب في أوكرانيا وتشديد السياسة النقدية وارتفاع معدل التضخم، ولكنه أكد على أن البنوك الأميركية لديها سيولة كافية.

وكان لدى المصارف الأميركية حجم سيولة كبير يقدَّر بنحو 3.7 ترليونات دولار في نهاية العام 2020، ولم تكن البنوك الأميركية الكبرى نشطة في تقديم التمويل خلال العام الماضي بسبب مخاوف التضخم.

لكن رغم هذه السيولة التاريخية تتخوف المصارف الأميركية من احتمال تفجر أزمة الديون المعدومة بسبب الأزمات العالمية التي تضرب الاقتصاد العالمي. ولاحظ محللون أن تجار السندات في الصين هربوا من الاستثمار في السندات الحكومية التي كانت من أكثر السندات جاذبية للمستثمرين الأجانب في العام الماضي.

المساهمون