في ختام فعاليات إضرابها واسع النطاق أمس الخميس، شجبا لمقترحات تعتبرها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون "إصلاحية" لنظام التقاعد، توعدت النقابات الفرنسية بموجة إضرابات جديدة، فيما انبرى وزير المالية برونو لومير صباح اليوم الجمعة، إلى التقليل من فعالية حراك الشارع، قائلا إن الإضرابات من غير المرجح أن تضر باقتصاد البلاد.
تصريحات لومير نقلها "تلفزيون بلومبيرغ" حصريا اليوم، وأتت على هامش منتدى دافوس، حيث قال: "لا أعتقد أن الإضرابات سيكون لها تأثير اقتصادي مهم حقا على الاقتصاد الفرنسي"، معتبرا أن الاقتصاد الفرنسي "يسير بشكل جيد".
وأتى هذا الموقف غداة مشاركة أكثر من مليون شخص في مسيرات بالمدن الفرنسية يوم الخميس للتنديد بخطط الرئيس إيمانويل ماكرون لرفع سن التقاعد، وأدت موجة من الإضرابات على مستوى البلاد إلى توقف القطارات وإغلاق المصافي والحد من توليد الطاقة، وفقا لوكالة "رويترز".
وبعد نجاح اليوم الأول، دعت النقابات العمالية الكبرى في البلاد إلى يوم ثان من الإضرابات في 31 يناير/كانون الثاني في محاولة لإجبار ماكرون وحكومته على التراجع عن خطة إصلاح نظام التقاعد التي من شأنها أن تجعل معظم الناس يعملون عامين إضافيين حتى سن 64.
وقالت النقابات في بيان مشترك "الآن تجد الحكومة نفسها في وضع صعب. الكل يعلم أن رفع سن التقاعد لا يفيد إلا أصحاب الأعمال والأثرياء"، فيما تمثل الاحتجاجات اختبارا كبيرا لماكرون، الذي قال يوم الخميس إن إصلاحه لنظام التقاعد "عادل ومسؤول"، وضروري للمساعدة في إبقاء مالية الحكومة على مسار سليم. وتظهر استطلاعات الرأي معارضة معظم الفرنسيين لهذا الإجراء.
وقالت وزارة الداخلية إن حوالي 1.1 مليون متظاهر خرجوا إلى الشوارع في عشرات الاحتجاجات في أنحاء فرنسا، وهو عدد أكبر من الموجة الأولى من المظاهرات التي خرجت عندما حاول ماكرون تمرير الإصلاح لأول مرة في عام 2019. وأوقف تلك المحاولة بسبب جائحة كورونا.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع خلال مناوشات متقطعة مع شبان مقنعين على أطراف احتجاج باريس، واعتقلت العشرات. وكتب على لافتة كبيرة حملها العمال في تور بغرب فرنسا "الرواتب والمعاشات هي التي يجب أن تزيد، لا سن التقاعد".
ووصفت إيزابيل (53 سنة)، وهي موظفة خدمات اجتماعية، وظيفتها بأنها صعبة جدا ولا ينبغي إضافة عامين آخرين لها. وقالت "سأضطر لتجهيز إطار يساعدني على المشي إذا تم إقرار الإصلاح"، بحسب "رويترز".
وتقول الحكومة إن إصلاح نظام التقاعد ضروري لضمان عدم إفلاسه. وجاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) مساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.
تؤكد الحكومة أن إصلاح نظام التقاعد المعتمد حالياً أمر ضروري لضمان عدم إفلاسه لاحقاً
لوران بيرجيه رئيس الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي.إف.دي.تي)، أكبر نقابة في فرنسا، قال: "يمكن حل هذه المشكلة بطريقة مختلفة، من خلال الضرائب. يجب ألا يضطر العمال لدفع عجز القطاع العام"، فيما تجادل النقابات بأن هناك وسائل أخرى لتمويل نظام المعاشات التقاعدية مثل فرض ضرائب على فاحشي الثراء أو زيادة مساهمات أرباب الأعمال أو مساهمات أصحاب المعاشات الميسورين.
والتحدي الذي يواجه النقابات العمالية هو تحويل المعارضة والغضب من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها.