أعلن نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي إفلاس الدولة ومصرف لبنان (البنك المركزي)، مؤكداً أن الخسارة وقعت نتيجة السياسات التي اعتمدت على مرّ العقود، لافتاً إلى أن توزيع الخسائر سيطاول الدولة ومصرف لبنان المركزي والمصارف والمودعين من دون أن يحدد النسب المئوية.
وقال "سيجري توزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، ولا توجد نسبة مئوية محددة. للأسف الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، ونريد أن نخرج بنتيجة، والخسارة وقعت بسبب سياسات لعقود، وإذا لم نفعل شيئا ستكون الخسارة أكبر بكثير".
وأتت تصريحات الشامي ضمن برنامج "وهلق شو" عبر قناة "الجديد" المحلية، مساء أمس الأحد، حيث تحدث عن أجواء الزيارة التي يقوم بها وفد صندوق النقد الدولي للمسؤولين اللبنانيين والشروط المطلوبة من لبنان خلال المفاوضات.
وفي حديثه، قال الشامي: "هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار ولا يمكن أن نفتح السحوبات (المصرفية) لكل الناس، وأنا أتمنى ذلك لو كنا في حالة طبيعية".
#عاجل - #سعادة_الشامي يكشف عن شروط #صندوق_النقد المطلوبة من #لبنان خلال المفاوضات.. وعن توزيع الخسائر: "الدولة أفلست وكذلك #مصرف_لبنان"!@salibi_georges#وهلق_شوhttps://t.co/4wpKsryWkN
— قنـــاة الجـــديـــد (@ALJADEEDNEWS) April 3, 2022
وفي ما يتعلق بمفاوضات صندوق النقد الدولي، قال "نحن في خضم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وعلى اتصال يومي معه، ولأول مرة تأتي هذه البعثة الكبيرة".
وكشف الشامي عن أنه "أحرزنا تقدماً كبيراً على صعيد المفاوضات، ونأمل بالوصول إلى اتفاق في نهاية المفاوضات، سواء في هذه الجولة، أو إذا ما استدعى الأمر جولة إضافية، مع العلم أنني أعتقد أنه يمكن الوصول إلى اتفاق في نهاية هذه الجولة".
وعلى صعيد توزيع الخسائر على الجهات المعنية، قال الشامي إنها "ستطاول الجهات المعنية، أي الدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف والمودعين"، لكنه أشار إلى أن "لا رقم محددا بعد أو نسب مئوية محددة، لكن الدولة ومصرف لبنان هما قطاع عام وإمكاناتهما ضئيلة جداً، والدولة للأسف مفلسة وكذلك مصرف لبنان، وهناك مشاكل ويجب أن نخرج بنتيجة للتعويض على المودعين".
ولفت إلى أن شركة كي بي إم جي تقوم بتدقيق مصرف لبنان، وأن المصرف يتولى عملية جرد كميات الذهب التي بحوزته، وقد بدأ بالفعل في عملية الجرد.
وأكد أن "الخسارة وقعت لأن هناك سياسات على مدى عقود أوصلتنا إلى هنا، وعلينا معالجة الوضع بتقليل الخسائر على الناس، وإذا لم نقم بأي شيء فإن هذه الخسائر ستكون أكبر".
ولفت نائب رئيس الحكومة اللبنانية إلى أن الاتفاق هو على صعيد موظفي صندوق النقد، وبالتالي الأسس بمذكرة التفاهم بين لبنان والصندوق، مشيراً إلى أن هدف أي خطة اقتصادية هو تحفيز النمو وخلق فرص عمل، ولتحقيق ذلك هناك مجموعة إصلاحات يجب القيام بها.
وأضاف أن المواضيع التي يتم التركيز عليها من قبل صندوق النقد هي إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حتى يقوم بدوره في تمويل الاقتصاد والقطاع الخاص، "فنحن بحاجة إلى قطاع مصرفي سليم"، ثانياً، السياسة المالية، أي الموازنة لنضع البلد على السكة الصحيحة بالنسبة إلى الدين العام لخدمته من دون اللجوء لإجراءات قاسية في المستقبل، إضافة إلى إصلاح القطاع العام والمؤسسات العامة وبالأخص قطاع الكهرباء، كما تشمل التقديمات الاجتماعية والخدمات، توحيد سعر الصرف، السياسة النقدية التي يجب أن ترتكز على معالجة التضخم.
وأشار الشامي إلى أنه في أي اتفاق مع صندوق النقد يكون هناك نوع من الإجراءات أو الشروط المسبقة التي على لبنان اتخاذها قبل أن يذهب مشروع البرنامج إلى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي ليوافق عليه بشكل نهائي، منها مثلاً موافقة مجلس النواب على موازنة 2022، إعداد قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، إجراء تعديلات بالسرية المصرفية وغيرها.
ورقة ضغط
وتتوقف المحامية دينا أبو زور، من "رابطة المودعين" في لبنان، عند تصريح الشامي، الذي على حدّ تعبيرها حاول "تهبيط الحيطان".
وقالت لـ"العربي الجديد": "صحيح لبنان في وضع متعثر، ولكن كنّا بطور عدم الاعتراف بالإفلاس، والحث دائماً على القدرة على إيجاد الحل، أما الإعلان اليوم من نائب رئيس الحكومة، وقبل شهر تقريباً من موعد الانتخابات النيابية، فيأتي بمثابة لعب ورقة الضغط على أكثر من مستوى، سواء على خطّ النواب بهدف تمرير قانون الكابيتال كونترول بالصيغة الرهيبة المطروحة، وللقول بضرورة تسليم أمور النقد والمال ومصاريف الدولة للجنة معينة يكون للمنظومة السياسية المصرفية اليد عليها، والضغط للسير باتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبحال عدم الوصول إلى هذا المسار يمكن عندها التهويل لوضع لبنان على برنامج المجاعة".
وأشارت أبو زور إلى أن الاعتراف بالإفلاس "يرتد على المصارف، إذ منذ أكثر من سنتين هناك إنكار لحال الإفلاس، فيما لم يطبق مصرف لبنان القانون رقم 110/1991 المرتبط بإصلاح الوضع المصرفي لتحديد المصارف المتعثرة، في حين لم تضغط الدولة على مصرف لبنان لتطبيق هذا القانون".
ولفتت أبو زور إلى أن "انعكاسات تصريح الشامي تطاول بالدرجة الأولى المستوى المعيشي، مع ما تخلقه من هلع رهيب عند الناس وضغط قوي عليهم يدفعهم إلى القبول بحلول وإجراءات، ولو ألحقت بهم خسائر، وذلك تفادياً لخسارة أكبر، عدا عن حالة الضياع التي من شأنها أن تزيد من الهجرة في ظلّ هذه الأجواء التي تبث وتؤثر على مستقبل الشباب".
عجز عن سداد الديون
من جهته، قال الكاتب الاقتصادي خالد أبو شقرا إن تصريحاً من هذا النوع "لو كنّا في وضع طبيعي كان من شأنه أن يخلق تداعيات سلبية كبيرة ويؤثر على سعر الصرف وسمعة لبنان النقدية والمصرفية، وبالتالي فإنه ينطبق عليه القول (المبلول لا يخشى الغرق)".
وأضاف أن "الدولة سبق أن أعلنت إفلاسها تلقائياً بمجرد تعثرها عن دفع سندات اليوروبوندز، وهو ما أفقدها تصنيفها الائتماني وعجزها عن دفع ديونها، وهو حال مصرف لبنان العاجز عن إعطاء المودعين حقوقهم".
وأشار إلى أن المصرف المركزي يعاني من فجوة نقدية بحوالي 69 مليار دولار هي أموال لم تعد موجودة ولم يبقَ لديه إلا القليل من الاحتياطي الإلزامي، الذي يقدّر بحوالي عشرة مليارات دولار، بينما يضخ ملايين الدولارات على منصة صيرفة، من خلال التعميم 161 ليحافظ على نوع من الاستقرار في سعر الصرف، وبالتالي كل هذه المواقف لن يكون لها انعكاس خطير على أرض الواقع".
من ناحية ثانية، يرى أبو شقرا، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن السلطات اللبنانية تحاول نشر أجواء إيجابية تفيد بإمكانية التوقيع على اتفاق أولي أو مبدئي مع صندوق النقد الدولي قبل موعد الانتخابات النيابية المنتظرة في 15 مايو/أيار المقبل، وحكماً استقالة الحكومة في 21 مايو/ أيار.
وأشار إلى أن "هذا أمر لا يمكن حدوثه بالنظر إلى الاستحقاقات المقبلة على لبنان، والشروط المسبقة أو الضمانات التي يطلب الصندوق الالتزام بها لبدء عملية الإصلاحات، وهو ما كان فحوى اجتماعاته مع المسؤولين اللبنانيين والرؤساء الثلاثة بشكل خاص في الأسبوع الماضي".
ولفت أبو شقرا إلى أنه قبل الدخول بالأجواء الإيجابية، فإن صندوق النقد الدولي يضع مجموعة شروط أو مطالب، منها إقرار قانون الكابيتال كونترول ضمن خطة شاملة عامة، وحوكمة لمصرف لبنان، وخصوصاً التقليل من الصلاحيات المطلقة المعطاة للحاكم، وتعديل قانون السرية المصرفية، بحيث لا تشكل عائقاً أمام كشف الفساد، واستكمال أعمال التدقيق بحسابات مصرف لبنان المركزي عبر شركة "الفاريز آند مارسال"، وإقرار الموازنة العامة لعام 2022".
وأضاف أن "من الشروط أيضا إنجاز الدولة خطة التعافي المالي وتحديد حجم الخسائر وكيفية توزيعها للانطلاق بالمرحلة المقبلة على صعيد المفاوضات الجدية، لأننا أصلاً لا نزال في إطار المحادثات التي لم ترتقِ بعد إلى مستوى المفاوضات".
رسالة رابطة المودعين
في المقابل، وجهت "رابطة المودعين" رسالة إلى صندوق النقد الدولي، تطلب منه ضرورة "التنسيق والتعاون مع المجموعات المدنية خلال عملية التفاوض على الشروط المطلوبة لأي عملية إقراض مع الصندوق".
وشددت "رابطة المودعين" على وجوب "توزيع الخسائر وتقاسم الأعباء بشكل عادل، الأمر الذي لا يتم إلا من خلال محاسبة ومساءلة المسؤولين عن هذا الانهيار وحماية فئات المجتمع الضعيفة".
كما توقفت الرابطة عند عشر نقاط أساسية على الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي الالتزام بها، أبزرها على صعيد الدين العام ضرورة التخفيف والاقتطاع من الدين العام، ما يؤدي إلى تحفيز التنمية الاقتصادية في المستقبل والاستقرار، وخلق حيز مالي كافٍ للانتعاش الاقتصادي والحماية الاجتماعية، من خلال إزالة السرية المصرفية، وتحسين الضرائب، وإقرار ضريبة على الثروة، والانتقال نحو ضرائب تصاعدية، كذلك حماية صغار المودعين حتى 250 ألف دولار أميركي، ويقترن ذلك بعملية إنقاذ تدريجي للمودعين الأكبر".