تهدد إجراءات الحظر المالي الغربي المشدد على روسيا المؤسسات المالية الروسية بحدوث حالات إفلاس عديدة في البنوك الروسية البالغ عددها 400 مصرف، وتعرّض أكبرها للطرد من نظام التحويلات المالية الدولية "سويفت" وحظر تعاملاتها الخارجية، بعد توسيع العقوبات المالية يوم الإثنين.
وشملت إجراءات الحظر الغربية التي تقودها واشنطن حظر البنك المركزي الروسي من المتاجرة في الدولار واليورو والعملات الرئيسية في أسواق الصرف، وكذلك حظر صندوق الاستثمار الروسي، وطرد العديد من المصارف التجارية الروسية الكبرى من النظام المالي العالمي.
وقررت وزارة الخزانة البريطانية أمس الثلاثاء إدراج "سبيربنك"، أكبر مصرف تسليف روسي، على قائمتها للكيانات الروسية الخاضعة لعقوبات على خلفية غزو أوكرانيا.
وتأتي الخطوة بعدما أعلنت الحكومة الإثنين أنها ستجمّد أصول جميع المصارف الروسية في المملكة المتحدة وأمرت الموانئ البريطانية بعدم السماح للسفن الروسية بالرسو.
وحظرت البورصة البريطانية التعامل في أدوات الدين الروسي. وعلى الرغم من أن روسيا ليست لديها ديون خارجية كبيرة، إلا أن حرمانها من التجارة في سنداتها سيعني أنها لن تستطيع الحصول على سيولة دولارية من أسواق المال الغربية.
وقال وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، لراديو فرانس إنفو أمس الثلاثاء إن روسيا ستواجه انهيار اقتصادها مع إطلاق عقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العنان "لحرب اقتصادية" عليها.
وتسعى الدول الغربية إلى إجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وقف حملته العسكرية الجارية حالياً للسيطرة على المدن الرئيسية الكبرى في أوكرانيا.
ووصف مسؤولون أميركيون سابقون العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية التي أقرت حتى الآن على روسيا بأنها " أكبر حملة عقوبات اقتصادية تنفذها الدول الغربية منذ نصف قرن".
وقال نائب الرئيس التنفيذي لمعهد التمويل الدولي، كلاى لاويري في هذا الصدد، إن "هذا الحظر الذي يستهدف شل النظام المالي في روسيا ربما يقود إلى إفلاس بعض البنوك التجارية وإجبار البنك المركزي على مواصلة رفع الفائدة على الروبل، ويقود ذلك تلقائياً إلى عزل الاقتصاد الروسي".
من جانبه، يرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في موسكو، فلاديسلاف إنو ريمتسيف، في مقال نشر يوم الإثنين على موقع ريدل الأميركي، إن "المستثمرين في السوق الروسية خسروا نحو نصف تريليون دولار"، أي ما يعادل 30% من الناتج الإجمالي المحلي للاقتصاد الروسي والمقدر بنحو 1.71 تريليون دولار وفق بيانات البنك الدولي. كما قدر الخبير الروسي إنو ريمتسيف، حجم التعاملات الروسية اليومية في سوق الصرف الأجنبي بنحو 50 مليار دولار.
وحتى الآن أدت العقوبات الأميركية إلى انهيار سعر الروبل وأسعار الأسهم في البورصة الروسية، ولا يستبعد خبراء ماليون أن تقود إلى إفلاس بعض البنوك الروسية التي تتعرض لعمليات سحب كبيرة داخل روسيا وفي فروعها بالخارج.
ووسط المخاوف من حدوث اضطراب في سوق المال بموسكو يهدد النظام المالي، علق البنك المركزي الروسي لليوم الثاني عمليات التداول في بورصة موسكو.
وفي تعاملات الفترة الصباحية قبل تعليق التعامل قالت صحيفة "موسكو تايمز" إن الخسائر الضخمة التي تعرضت لها أسهم الشركات الروسية وانهيار سعر صرف العملة إلى 100 روبل مقابل الدولار وإلى 119 روبلاً في الأسواق الخارجية أدى إلى تعليق التعامل، ومن غير المعروف إلى متى سيستمر إغلاق البورصة الروسية.
وتقدر وزارة الخزانة الأميركية، أن المؤسسات المالية الروسية تجري صفقات قيمتها 46 مليار دولار يومياً في سوق الصرف الأجنبي العالمي من بينها 80% بالدولار قد تعطلت منذ يوم الإثنين.
ويواجه المستثمرون الأجانب في أدوات المال الروسية، خاصة صناديق الاستثمار صعوبة في التخارج من الأصول الروسية، التي بحوزتهم، والتي قدرتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" بنحو 150 دولاراً في الأسهم والسندات.
وفي لندن ارتفعت كلفة التأمين على الأصول الروسية في سوق الصفقات التبادلية الآجلة بنسبة 37% من قيمة السندات الروسية، وهو ما يعني أنّ الصناديق الغربية المستثمرة في السوق الروسي ستتعرض لخسائر باهظة في حال طول أمد الحرب الأوكرانية.
ويتخوف البنك المركزي الروسي من احتمال جفاف السيولة في البنوك الروسية وعدم قدرة بعضها على كفاية سحوبات المودعين وحدوث عمليات ذعر بين أصحاب الحسابات المصرفية، تفاقم من أزمة السيولة الحالية.
وكان معهد التمويل الدولي قد توقع في تقريره يوم الإثنين، أن يعطي البنك المركزي الروسي أولوية لحماية المودعين الروس على المستثمرين الأجانب، كما توقع المعهد في تقريره أن البنك المركزي الروسي ربما سيضطر لتعليق عمل المصارف التجارية حتى يتفادى احتمال إفلاس بعضها أو حدوث اضطراب كبير في النظام المصرفي الروسي.
وفي الشأن ذاته، يرى خبراء أنّ المركزي الروسي الذي يعاني من تجميد نحو نصف احتياطاته من العملات الأجنبية، إلى استخدام مجموعة من الأسلحة لحماية النظام المالي الروسي من الانهيار، من بينها إجراء زيادة كبيرة في نسبة الفائدة بعدما رفعها يوم الإثنين إلى 20% واتخاذ إجراءات جديدة للحد من خروج رأس المال من روسيا، وتوفير السيولة للبنوك، رغم أنه لا يملك سيولة كافية بعد تجميد نحو 50% من أصوله المقدرة بنحو 630 مليار دولار. وقدر معهد التمويل الدولي حجم السحوبات المالية من المصارف الروسية بنحو 10 مليارات دولار في يوم الجمعة الماضي.
لكن يلاحظ أنّ هذا الحجم ربما ارتفع كثيراً في الأيام الأربعة الماضية وسط الصفوف الطويلة أمام ماكينات السحب وفروع المصارف في المدن الروسية.
وتواجه فروع البنوك الأجنبية في دول أوروبا الشرقية عمليات سحب ضخمة من قبل المواطنين الحانقين على الحكومة الروسية بعد غزوها أوكرانيا، كما يتخوفون من احتمال انتصار روسيا وتهديد مستقبل بلدانهم التي كانت في السابق جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية.
يذكر أن معهد التمويل الدولي قد قال في تقرير سابق إن طرد مصرفي "سبيربنك " و" في تي بي"، وهما من أكبر المصارف الروسية، من نظام سويفت قد يقود تلقائياً إلى حدوث اضطراب كامل في النظام المالي الروسي.
ولا يبدو أنّ روسيا تحاصَر مالياً فقط لكن تواجه البلاد كذلك عزلاً بحرياً وجوياً، إذ تحظر معظم الموانئ العالمية سفنها من العبور، كما تحظر الدول الأوروبية طيرانها من التحليق في أجوائها. وبالتالي فإن الأعمال التجارية الروسية الخاصة بالشحن البحري والطيران تتعرض لضربة قاصمة بسبب غزو روسيا.
وحول ما إذا كان نظام الحوالات المالية الصيني "سيفس ـ CIFS" سيكون بديلاً للبنوك الروسية بعد حرمانها من نظام "سويفت" لاحظ محللون أنّ الحكومة الصينية رغم تحالفها مع روسيا، إلّا أنّها تأخذ في الاعتبار مصالحها التجارية والمالية مع الولايات المتحدة وأوروبا. كما أنّ نظام الحوالات المالية الصيني ما زال في طور الطفولة رغم ثقلها التجاري الضخم. وتعتمد الشركات الصينية على نظام "سويفت" في تسوية معظم صفقاتها التجارية.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" يوم السبت، إنّ البنك المركزي الصيني "بنك أوف تشاينا" وبنك التجارة والصناعة الصيني، حدا من تمويل مشتريات السلع الروسية، وبالتالي يرى تحليل في "بلومبيرغ" أنّ الصين ستكون حريصة في تعاملاتها المالية مع روسيا وحذرة خوفاً من تعريض بعض تعاملاتها المالية لمخاطر الحظر الأميركي من الدولار.
وتراقب أميركا عمليات تسوية الصفقات المالية التي تتم بالدولار وتفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تخرق الحظر. وتتم هذه المراقبة عبر نظام "تشبس ـ chips" المسؤول عن التسويات المالية في نيويورك، حيث تتم تسوية نحو 95% من الدفع بالدولار في أنحاء العالم.
ونظام "تشبس" عبارة عن نادٍ مالي خاص تشرف عليه المؤسسات المالية الغربية الكبرى في العالم ويبلع عدد أعضائه 43 مؤسسة مصرفية غربية.