أعلن نائب رئيس الوزراء اللبناني سعادة الشامي مساء أمس الأحد، أن الدولة ومصرف لبنان مفلسان؛ وأن الخسائر الناتجة عن عملية الإفلاس تلك ستوزع على الدولة ومصرف لبنان (البنك المركزي) والمصارف والمودعين.
كلام الشامي يعد أول إعلان رسمي عن إفلاس الدولة، صحيح أن البعض قد لا يعتبر التصريح جديداً أو مفاجئاً، فقد سبق وأن أعلن حسان دياب رئيس الوزراء اللبناني السابق في 9 مارس 2020 توقف البلاد عن سداد ديونها الخارجية، وهو ما يعني ضمناً تعثرها وإفلاسها من الناحية العملية.
كما أكد دياب مرات قبل استقالته أن بلاده وشعبه على شفير الانهيار، وأن شظايا الأزمة ستطاول دولاً في الخارج، كما اتهم الرئيس اللبناني، ميشال عون في شهر مارس الماضي محافظ مصرف لبنان رياض سلامة، بإفلاس البلاد.
هذه أول مرة يتحدث فيها مسؤول لبناني رفيع المستوى مباشرة وبهذا الوضوح عن إفلاس الدولة ومؤسساتها المالية ومنها البنك المركزي
لكن هذه أول مرة يتحدث فيها مسؤول لبناني رفيع المستوى مباشرة وبهذا الوضوح عن إفلاس الدولة ومؤسساتها المالية ومنها البنك المركزي.
تصريحات الشامي هي تحصيل حاصل للأوضاع المالية المتردية داخل لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية ومالية حادة ونقص شديد في السيولة المالية لم يشهدها حتى خلال الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).
فالجميع يدرك أن البلاد مفلسة، وأنها دخلت مرحلة الانهيار على مستوى كل القطاعات خاصة المالية، وأن البنوك صادرت أموال المودعين منذ نحو عامين حيث تفرض قيوداً شديدة على عمليات السحب النقدي خاصة بالدولار، وتضع سقوفا قاسية على السحب بالعملة المحلية الليرة.
وأن البلاد دخلت أتون الفقر المدقع والبطالة المتفشية وانهيار الخدمات وقفزات الأسعار وهروب الأموال والاستثمارات الأجنبية، وتعرضت قطاعات حيوية للشلل وفي مقدمتها السياحة والاستثمارات المباشرة.
وقبل ذلك شهدت لبنان عمليات تهريب واسعة للأموال إلى الخارج من قبل النخب الحاكمة الفاسدة، كما شهدت الليرة انهيارا مدويا حيث فقدت أكثر من 90% من قيمتها.
الجديد في كلام نائب رئيس الوزراء اللبناني هو حديثه المباشر عن إفلاس الدولة والبنك المركزي، وأنه سيتم تحميل المودعين جزءا من الخسائر الناتجة عن الإفلاس
لكن الجديد في كلام نائب رئيس الوزراء اللبناني هو حديثه المباشر عن إفلاس الدولة والبنك المركزي، وأنه سيتم تحميل المودعين جزءا من الخسائر الناتجة عن حالة الإفلاس تلك وذلك في إطار خطة تقاسم الخسائر، وهو ما سيخلق مناخا من عدم الثقة من قبل المدخرين تجاه القطاع المصرفي، ليس في لبنان وحدها بل في دول محيطة، إذ كيف يتم تحميل المودعين خطايا وجرائم النخب الحاكمة وعمليات الفساد المتواصلة والتهريب المنظم للأموال إلى بنوك الخارج وبمعرفة قيادات البنوك بما فيها البنك المركزي.
صحيح أن البعض يحاول أن يضع تصريحات الشامي في أجواء تسخين الانتخابات الجارية، وتحميل الحكومات السابقة مسؤولية إفلاس الدولة ومصرف لبنان، ويربطها ببدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض يساعد ولو مؤقتا في وقف تهاوي الأوضاع المالية والاقتصادية.
لكن التصريحات خطيرة، وتثير أكثر، فزع المودعين الذين لا يعرفون أي السيناريوهات ستطبقها الدولة عند التعامل مع مدخراتهم، هل ستصادر جزءا منها وليكن 30% أو 40% وربما أكثر.
وفي حال مصادرة هذا الجزء، هل هناك فرصة لمنحهم ما تبقى من أموالهم المودعة في البنوك، أم ستتم مصادرتها لسنوات أخرى، علما بأن هناك شكوكا حول إعادة قريبة لهذه الأموال أيضا، خاصة وأن البنك المركزي لم يعد يملك النقد الأجنبي لتغطية هذه الالتزامات الضخمة، وأن البنوك لا تملك سيولة دولارية مع تكبدها خسائر فادحة تقدرها الحكومة بنحو 69 مليار دولار.
خطورة إعلان إفلاس لبنان لن يقف عند حدود الدولة، بل ربما ستكون له ارتدادات على الدول التي تعتمد على القروض والمساعدات، أو تعاني من أزمات مالية واقتصادية حادة
خطورة إعلان إفلاس لبنان رسميا في هذا التوقيت الحرج لن يقف عند حدود الدولة اللبنانية، بل ربما ستكون له ارتدادات على بعض الدول التي تعتمد على المساعدات والمعونات الخارجية، أو تعاني من أزمات مالية واقتصادية حادة مشابهة للبنان.
أو الدول التي تعتمد على القروض في سد الفجوات التمويلية وعجز الموازنة وسداد الرواتب والدفاع عن عملتها المحلية، أو دخلت في دوامة الديون، تقترض لسداد ديون، وتدفع أسعار فائدة مبالغ فيها لضمان تدفق الأموال الساخنة على اقتصاداتها.
وأقرب مثال للحالة اللبنانية هي تونس الذي بات شبح الإفلاس والتعثر المالي يقترب منها أكثر من أي وقت مضي، وكذا اليمن وسورية والسودان.